«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
شهد معدل التضخم في الاقتصاد السعودي تحولاً من كونه تراكمياً إلى تضخم سلبي يزداد شهراً بعد شهر وبشكل غير متوقع، في حين نرى أن قسم (السكن والمياه والكهرباء والوقود) لا يزال يحقق ارتفاعاً على المدى السنوي وهو مسار يمثل امتداداً لماض لا يعبر عن الحاضر.
ويأتي هذا التحول تأكيداً لما توقعته وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية في تقرير نشر بتاريخ 19/12/2015م، بانتهاء عهد التضخم المتراكم بالمملكة والذي كان يمثل حينها القلق الأكبر ليس حينها فقط، ولكن منذ فترة طويلة بدأت منذ 2008. وقد رجح التقرير أن السياسة المنتظرة للمملكة في عام 2016 ستوازن بين الانفاق على السكن والمواد الغذائية وبين الحفاظ على القيمة الشرائية العادلة فيهما، كما أكد على التراجع في مستوى الانفاق الحكومي سيكون في صالح علاج التضخم المتراكم منذ 2008، ومن ثم سيكون في صالح الاقتصاد الوطني عموماً.
ووفق تقرير وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية، فإن المملكة وبعد مرور أكثر من سنة على التقرير السابق تشهد تضخماً سلبياً يزداد شهراً بعد شهر وبشكل غير متوقع لدرجة أن الرقم القياسي لمستوى المعيشة (الذي يقيس معدل التضخم) سجل تغيرا بنسبة (-0.2 %) عن مستواه في ديسمبر 2016 (خلال الشهر الأخير)، وسجل تغيرا بنسبة (-0.4 %) عن مستواه في يناير 2016 (خلال السنة الأخيرة)، وسجل (-0.9 %) عن مستواه في أكتوبر 2016 (خلال الثلاثة أشهر الأخيرة). ومن الملاحظ أن المستويات الثلاثة (خلال شهر وثلاثة شهور وسنة) جميعها سجلت تغيراً سلبياً للمستوى العام للأسعار، أي سجلت تضخماً سلبياً. وحدث أعلى مستويات التراجع في الأسعار خلال الشهور الثلاثة الأخيرة لتقترب من تراجع سلبي بنسبة 1.0 %.
وعلى المستوى الشهري فإن التراجع في المستوى العام للأسعار جاء في السلع الأساسية والهامة، حيث بلغ التراجع خلال شهر يناير 2017 نحو (- 0.6 %) في قسم الأغذية والمشروبات، وهو القسم الرئيسي الذي يحدد توجهات التضخم في كل دول العالم، أما قسم (السكن والمياه والكهرباء والوقود) وهو ثاني أهم قسم للمواطنين، فقد سجل تراجعاً بنسبة (- 0.2 %) خلال شهر يناير الماضي. أما على المستوى السنوي، فقد شهد قسم الأغذية والمشروبات تراجعاً بنسبة بلغت حوالي (-4.2 %)، وهي نسبة مرتفعة وتؤكد تحسن المستوى العام للأسعار لكي يتخلص من فورة تضخم جامح نالته خلال فترة طويلة تناهز ثماني سنوات (2008 – 2016).
تراجعات في أسعار الأراضي
وتتوقع وحدة أبحاث الجزيرة أن تلحق بأسعار قسم (السكن والمياه والكهرباء والوقود) المزيد من التراجعات، وخاصة أن هذا القسم لا يزال يحقق ارتفاعاً على المدى السنوي بلغ (1.2 %)، وهو مسار يمثل امتداداً لماض لا يعبر عن الحاضر في ضوء تغير ملامح السياسة الاقتصادية للمملكة بعد ضبط معدلات الانفاق الحكومي، والسيطرة على مواطن «دفع» لا تتوافق مع الواقع الراهن. كما ترجح حدوث المزيد من التراجعات في أسعار الأراضي، يليها تراجع في أسعار السكن والإيجار، بشكل يتوقع أن يناهز مستوى سلبياً بنحو (- 1.0 %) خلال بقية عام 2017، بحيث أن التراجع السلبي في معدل التضخم يمكن أن يفوق مستوى الـ 2.0 % خلال بقية العام.
وبحسب التقرير، فإنه رغم أن انخفاض المعروض من المساكن تقود اتجاها للحفاظ على المسار الصاعد لأسعار المساكن وإيجاراتها، إلا أن تراجع مستويات الأسعار لكل السلع والخدمات، يفترض أن يقود تراجعا ضمنيا لتكاليف البناء والتشييد، فعلى أرض الواقع حدث تراجع فعلي في أسعار الأراضي وأسعار العقارات وحتى أسعار الإيجارات، إلا أنه يحتاج لفترة زمنية أطول لكي يتبلور في شكل تراجع في تكاليف المعيشية في هذا القسم. لذلك، فإن المتوقع أن ينفصل مستوى تكاليف المعيشة في هذا القسم عن المعروض من المساكن ويتمسك بمعدل التضخم العام بالمملكة لكي يحقق تراجعا حقيقيا بنسب أعلى خلال الشهور التسعة المتبقية لعام 2017.