نادية السالمي
المعسول من الحروف التي نقش بها العقاد قوله: الشعر من نفس الرحمن مقتبس.. والشاعر الفذ بين الناس رحمن» وكذا المنطقي في حروف الشاعر روبرت فروست حين أدلى بدلوه:
«الشعر عثور الاحساس على فكرته وعثور الفكره على كلماته» لا تغني من الحق شيئا، إذن علينا أن نفض الزحام بين حروف احتشدت واستعدت لمهمة تعريف الشعر في يوم الشعر.
وقبل أن يرهق الشعراء أنفسهم فيما لا طائل منه أقول يا معشر الشعراء استريحوا: الشعر شاعر بذاته، وعلى الشاعر أن يشعر بضياع ذاته، ويجد لضياعه ورغبته العارمة في استمرار ضياعه في حضرة الشعر تعريفًا، وهذا الأولى والأجدى.
حياتنا بدون الشعر ضيقة كالتابوت، وخالية من المتعة، ومتعبة كحياة النملة التي لا هم لها سوى جمع رزقها. لهذا اتسع امتداد الشعر من أجلنا، فكانت السماء شعر،الورد شعر، والرجولة شعر، والأمومة شعر، وكل ما وسم بالجمال والرقي هو شعر وينتمي إليه، أفلا نتسع نحن بمفهومنا كما في الجمال اتسع الشعر وامتد وبقي محافظًا على ثباته؟!.
21 مارس اليوم الذي قررت اليونسكو اعتماده ليكون اليوم العالمي للشعر، حتى أن فرنسا الدولة التي عقد اجتماع اليونسكو فيها لاعتماده لا تكتفي بالاحتفال به في المدارس والجامعات بل حتى سجونها تمارس هذا الفخر وتحتفي به، لِمَا للشعر من دور عظيم لا تجهله اليونسكو ولا الأمم على اختلاف ثقافتها، فالشعر الصندوق المحتوي على كنز لآلئ الموروث من اللغة والهوية، وهذا اليوم المخصص لتبجيل الشعر بشكل إضافي يجعلنا نسلط الضوء على طريقة تعاطينا معه، ويلفت نظر الناس إلى هذا الكائن الصامد أمام مايلقى من بيع وشراء في ذمة من خانوه أفرادًا كانوا ومؤسسات على مر العصور، وإن كانت الجرائم في عصرنا هذا أشد ما يواجهه الشعر، فالإعلام في عصر الإعلام كان أداة الجريمة والساحة التي تشهد تعذيبه، وأشد ما لقي الشعر من تعذيب وإهدار لكرامته يوم تسلطت عليه أغلب المسابقات الشعرية فتسلقت هامته لتدعي أنها جاءت من أجل خدمته ورفع الأذى عنه في الوقت الذي كانت تسعى لمكاسبها المادية وغايتها المبتذله في سرقة الذوق العام وتسخيره ليرى ما ترى. فظهرت على سطح الماء العكر النعرات القبلية، وسطعت في السماء نجومًا غالبًا عمر وهجها ضئيل لا يتجاوز عمر انطلاقته، دورها وأغلب مجهودها الذي بذلته أن رهنت نفسها لأغلال المدح، وزخرف القول، تاركة وراءها المشاعر الإنسانية والمشاكل البشرية التي توحّد الناس على وجع قلب واحد.
أما قصائد الفصحى فحدِّث ولا حرج عن انتقاص وزنها في غالب شأنها إثر عبء ما تحمله من نثر، وتراجع دورها الريادي في معاش الناس وتقلبات أحوالهم، ولا أدري: هل بمقدور الشعر العربي الفصيح أن يعيش ليَبلغ الأجيال القادمة بلا وزن يؤرِخ في استقامته المرحلة؟!.
كل ما أعرفه وأصدق ما أتحدث به: كلما زاد تهميشك وضراوة الإساءة خصصوا لك يوماً وحنطوك فيه لهذا كان يوم الشعر والمرأة إلى آخر القائمة التي سيأتي عليها زمان لا تعرف النهاية!.