د. صالح بن سعد اللحيدان
العلم أشبه ما يكون بالدولة من حيث سياستها، تلك التي تستقطب العقل والعمق وبُعد النظر.. ففي العلم عمق، وفيه وضوح، وفيه مجمل، وفيه مفصل، وفيه مطول، وفيه مختصر، وفيه - إضافة إلى هذا - بيان وقوة..
ولعلك كل ما أتيت إلى العلم انزاح عنك وابتعد ما لم تأته باستعداد وقوة وانقطاع..
والعلم في عصر ما ينتشر ويتفرق حسب تنوعه، لكنه قد يجتمع جله في أشخاص معدودين بين مئة ألف أو يزيدون؛ ذلك أنه لا يستقر إلا لدى الموهوب المستعد له على شاكلة من خلا من علماء، هم بيننا أحياء بتراثهم وأخلاقهم وذكرهم.. وكل ما نريد منهم مسطر مسطور..
ففي زمن من الأزمان، أقول في زمن من الأزمان قد يوجد عدد كبير من العلماء لا يحصى عددهم، لكن لا يبرز إلا القليل..
وأحسب أنني ممن حلل هذا بدراية ورواية على مهل من قراءات ذات تنوع من مصادر شتى..
وأحسب أن صفة الكراهية وسوء الظن وعدم الاعتراف بالفضل تلك أول شيء لم أجده عند من برز..
وليس إلا النقاء والوضوح وبيان الهدف السامي.. هذه ثانية من الأثافي، كانوا عليها يتكئون، وكانوا يدأبون نحو تخصص حي منذ النعومة المبكرة كحال سيبويه والفراء، وكحال البخاري ومسلم والنووي، وكحال الجوهري وابن تغريبردي والقشلقندي وابن قتيبة والعيني.. وإنما همهم في العلم اللغوي أو العلم النحوي أو العلم المطلق في سياسة فقه الأحكام إنما ينشدون معالي الأمور بجديد البحث وجليله ومتينه..
فكانوا يطلبون من غيرهم من الوراقين المشرفين على الكتابة والنشر الصف واللصق على سبيل قويم، والمتابعة، وكان الوراق يفرح عند الثناء عليه أو أنه قد وصل إلى سمعة سامقة ظنًّا منه أنه في صفهم، حتى إذا مر الدهر فإذا هو يهوي كجذع شجرة في منحدر واد سحيق.
فخذ على سبيل المثال من العلماء النابهين:
1- ابن منظور: لا جرم فهذا الرجل منظور من حيث الحس ومن حيث المعنى، لم يُرضِه إلا أن يكسب العلم بالسفر والسهر وخلو القلب من الشواغل، حسها ومعناها، وكان جادًّا ثقيلاً، وكان ذا خلق حسن، ويعرف المعروف ويجازي عليه.
2- الفيروز أبادي: كان ذا جلد وسكينة، وكان تعلوه المهابة والتوخي والحذر، وكان قد تضلع قديمًا بنسق لغوي واحد ومقياس واحد وميزان واحد في معرفة الألفاظ والأماكن، وكان حسن المعشر ودودًا.
3- الجوهري: على قلة إنتاجه وما قرأته عنه لكنه كان ذا ميول جادة مركزة على الاستقراء ومعرفة دلالة الألفاظ على المعاني، ولعله كان يساهر الليل حتى يقف على المراد، وكان يكرم الوراقين إذا خدموه وأشرفوا على ما يكتب.
4- النووي: وهو من شارحي صحيح مسلم، لكنه غاص بعيدًا في أساسيات علم اللغة وعلم النحو والبلاغة.. وقد عالج كثيرًا من الألفاظ مما ورد في (مسلم).
وإنك لتعجب من هذا الرجل الذي جدد وسبق في حال نسق طردي لم يسبقه إليه غيره؛ ولذلك نوع الاستقراء اللغوي والنحوي وفقه الأحكام في كتاب الجليل (المجموع).
ومع أنه قد وقف في طريقه، ونبذ وترك إلا أن الله - جل وعلا - جعله من الخالدين.
5- ابن قتيبة: لقد قام الأدب وفقه اللغة ودلالة النحو على واقع حي مبارك عني به هذا الرجل؛ فأجله النقاد من معاصريه ومن بعدهم، وقامت حوله كثير من الدراسات لغوية وأدبية، ولاسيما في غريب القرآن وغريب ألفاظ السنة، وكذلك الشعر وطبقاته.
ومن عجائب الأمر في هذا الإمام أنه في وقته لم يؤبه به، بل قطع الطريق عليه، ومن قطع الطريق عليه ذهب في مهب الريح، ويسَّر الله لهذا الإمام صنوانا وغير صنوان من علم جليل فريد.
ولست أظن - ولا غيري كذلك فيما يظهر لي - أن أحدًا قد يستغني عن (أدب الكاتب) أو (عيون الأخبار).
6- ابن هشام: لقد قال عنه ابن خلدون في المقدمة «كنا نسمع به ونحن في المغرب أنه أنحى من (سيبويه)».
وهذا من باب المقارنة للمفاضلة على وجه يصح.
وابن هشام هذا - لا شك - أنه إمام في النحو واستقراء الوارد عن العرب فيما بثه في (أوضح المسالك). وهذا الكتاب شاهد على عقله ودرايته وإضافاته..
ومع أنه قد زاحمه بعض القول في زمانه إلا أنه انسحب، لكنه ظهر من جديد حينما تعب الآخرون؛ فصفق له العلم، وقال «أنت مني بمكان».
ولا شك أن في تراجم اللغويين والنحويين وعلماء الحديث الذين جمعوا بين هذا العلم وعلم اللغة والنحو في تراجم هؤلاء دافعًا قويًّا لمن أراد أن يتحرر من الدونية أو الكراهية أو الحقد.
فيه دافع لحسن الخلق وصفاء النفس ورد الفضل إلى أصحابه مهما كان في النفس، ومهما يكون، فإن الله - جل وعلا - إذا أراد شيئًا تم.
... ... ...
بريد خاص:
نوفل بن مرشد النافلي أبو يافع/ اليمن
نعم، الشوكاني جمع في كتابه (فتح القدير) أشياء جليلة من الإعراب والبلاغة واللغة.. وكتابه هذا حري بك أن تقرأه أكثر من مرة.
حصة م. ع- جامعة الملك سعود الرياض
من الصعب أن أفصل لك الإجابة، لكن أن شاء الله تعالى تجدينه في المعجم.
أما حسن الخلق فهو موهبة، وقد تحصل بالاكتساب ومحاكمة النفس بنقاء وشفافية وعدل.
إبراهيم بن عيد عيدي ولد تحنا- موريتانيا
لا مقارنة بين الاجتهاد العقلي والاجتهاد العلمي؛ ولذلك تعمد بعض الدول مشكورة إلى جعل هيئات علمية تجمع أكثر من عقل؛ لتسد مسد الاجتهاد المقيد في فقه النوازل. ولا يصلح أن نجمع بين الرأي والاجتهاد.
فيحاء بنت علوان بن محمد قشيري- أم زهرة-القنفذة
أقدر لك الرسالة، وتأتيك إجابة خاصة.