إلى الشاعر/ علوان الجيلاني
لم أعد شاعراً
هكذا قالَ لي أصدقائي بصمتٍ
وعضوا أصابعهم في الظلامِ وغابوا بلا ضجةٍ
وأنا قلتُ أيضاً لنفسي
وأذَّنتُ في سمعِ شيخ القبيلةِ
حتى يُقيمَ طقوسَ العزاءِ فقدْ
جفَّ نهرُ البلاغةِ في قلبِ شاعرها الفذ
شارتها وشرارتها في الخطوبِ وصارت بلا شاعرٍ فلقدْ كانَ نصفَ حديقةِ وردٍ وزاداً لنخوةِ أسيافها ونبيَّ مآثرها البائدةْ.
لم أعد شاعراً
قالتِ الريحُ
وهْي تحاولُ أن تتحاشى مخيلتي خشيةً أن يُثارَ الغبارُ وتشعرني بالندم
لم أعد شاعراً
هكذا قالها العالمُ الافتراضيُّ والمعجبونَ الكسالى - بمكرٍ -
عيونُ فتاةٍ بحارتنا لم تعدْ تترصدني منذُ شهرين شاهرةً
عطرَ بسمتها ملءَ عينيَ من خللِ النافذة.
لم تعد شاعراً هكذا قالها قلمٌ نامَ في الرفِ من زمنٍ
صدفةً لامستهُ أصابعي الخشبيةُ وهي تفتش عن عدمٍ
فتوثبَ لي صارخاً:
صرتَ مثل رصيفٍ بعيدٍ تجاهلهُ العالمُ المتطورُ وانبثقتْ في جوانبهِ
شجرُ طلعها شائكٌ وكئيبٌ كئيبْ.
لم تعدْ شاعراً قالها الشعراءُ القدامى وأيدهم كل أصحابي المحُدَثِين بهمسٍ وقهقهَ
أمهرُ نقادنا المتجذر
في «نظريةِ موتُ المؤلفِ»
أو قتلهِ
وبحفرِ قبور المجاز
لم أعد شاعراً
نسيتني المنصاتُ والمكتباتُ ودورُ الثقافةِ والصحفُ الموسمية والقنواتُ، وتلكَ الأكفُّ التي صفّقتْ لي كثيراً
وصرتُ إذا جئتُها
لا تردُّ السلام.
لم أعد شاعراً
قلتها بيقينٍ
تبرأتُ من كلماتي القديمةِ أحرقتها بلهيبِ الخسارةِ
هذا الذي يتصاعدُ في داخلي دونَ أنْ يتأثرَ من يقرأ الآنَ هذا الرثاءَ الحزين.
لم أعدْ شاعراً
هكذا قال قلبي
الذي كانَ بالأمسِ مرعى ظباءٍ
وبستانَ وردٍ ونبعاً حنوناً لمنْ وخزتهُ الحبيبةُ في قلبهِ بالظمأ.
لم أعد شاعراً
وأفكِّرُ أن أفقدَ النطقَ
كي لا أُريقَ الكلامَ بلا سببٍ
في الطريقِ ومن دونِ جدوى
فيخطفُهُ الطائفيونَ والساسةُ الفارغونَ
ويُدخِلني فخُّ تأويلهِ
في الجحيم.
لم أعد شاعراً
هكذا قالتِ الخيبةُ المستريبةُ
هل قمتُ يوماً بدوري الطبيعي جداً؟
أم تُراني كتبتُ لأمحوَ هذا السراب وأمُحى؟
ولا بدَ أن تستريحَ الهواجسُ مني
وتبحثَ عن شاعرٍ آخرٍ
وتغادرَهُ لتفتشَ ثانيةً
في بهاءِ الطبيعةِ عن شاعرٍ ليس مثلي جباناً
لتنفرَ من روحهِ بذرةُ الموهبة.
لم أعدْ شاعراً
لم أكنْ شاعراً
لستُ شيئاً ولستُ أنا
من «يقول لكم ما يقول لكم»
ولماذا أقولُ لكمْ كل هذا الهباءِ
الذي أتخيلهُ
والذي ليسَ يعني أحداً؟؟
- شعر/ زين العابدين الضبيبي