إيه عليك يا قرطبة حين كنت عاصمة السياسة والأدب، بل والجمال والبهاء! فليس في أوروبا من يحب العلم ويحترفه آنذاك إلا وزارك في مهدك الأول ، وضرب إليك أهل المشرق أكباد الإبل وتركوا وراءهم المال والولد من أجل أن يروا حضارة جديدة محاطة بالعلم والمعرفة وبلداً لم يشاهدوا مثله قط!حتى أضحت بغداد الرشيد فقط من تنازعك الرئاسة! لوكان كل النساء ولّادة لكان كل العشّاق أبا الوليد ابن زيدون! ولكان كل الحسّاد أبا عامر بن عبدوس ، معادلة قد تكون أشبه بالخيال إليها من الحقيقة وربما يصدق بعضها! ولكن الفوارق تنزح بالمرء للمفاضلة ، والغيرة تكون أحياناً في مكانها وأحياناً يرميها الحمق في مهاوي الردى! فالجمال إن لم يكن منصفاً ويأخذ منه الأخلاق والعفة نصيب فلا خير فيه ولانفضَّ العُشّاق من حوله! ولكنّ للوشاة كلمة وللشائعات صورة وصفحات قد يدركها الحقد في كثير من المواطن فيقال في المرء ما ليس فيه إما كذباً وإما زوراً وافتراءً لا لشيء! إلا لشفاء غليل محتقن في القلوب قد نفثه ليستريح من سمٌ زعاف استشرى في فؤاده! وقد زعموا أنّ ولّادة كتبت على ردائها شعراً مبتذلاً عُيّرت به حتى يومنا هذا فكان على إحدى صفحاته :
أنا والله أصلح للمعالي
وأمشي مشيتي وأتيه تبهاً
قد يكون كذلك!
وخطّت على الأخر :
وأمكن عاشقي من صحن خدّي
وأعطي قبلتي من يشتهيها
وقد لا يكون ذلك! لماذا ؟!
تأمل كيف هما مختلفان ؟! فأما الأول فقد يكون! فإن الكبر والغرور قد ينصف ذلك ويتعداه إلى المفاخرة والترفع وليس فيه من المذمة والنقصان ما للآخر الذي اعتقد بأن الحسّاد والوشاة وجدوا فراغاً في الوجه الآخر فأكملوه بهذا دون أن يكتبوا على الرداء حتى يُحطّ من قدرها ومكانتها ولو نظرنا إليهما فإنهما لا يتّسقان فإن الأول فيه من الفخر والعزة وإن كان فيه تيه مذموم ثم ترجع في البيت الآخر فتسقط سقوط الذليل المنحط لا يسقط فيه حتى بعض المبتذلات والمدلّات بأنفسهن فضلاً عمن تعلم أن الشعراء والكبار يطلبن ودّها ويدها ويسعون للحظوة ولو بنظرات فكيف يكون ؟!
وهي بعد في عزٍ وجاه ومنع وقوة وحسب ونسب وعلم وأدب! ولكن من الطبيعي من في وضعها ومكانها ومكانتها أن تختلط الحقائق بالأكاذيب وتنسج عليها القصص وأن تجد الآذان قد وطّنت لذلك ويدوّنها الأفّاكون والخرّاصون والبائعون!
وما أجمل ما قال ابن زيدون من وصف حين ينفطر قلب المحب من الصبر ويطول ليله معه كل ذاك من أجل ولّادة وأيامه الجميلة معها :
ودّعَ الصبر محبّ ودعك
ذائع من سرّه ما استودعكْ
يقرعُ السنّ على أن لم يكن
زاد في تلك الخطا إذ شيّعكْ
يا أخا البدر سناءً وسنى
حفظ اللهُ ، زماناً! .. أطل?عكْ
إن يطل ليلي بعدك فلكم
بتُّ أشكو قصر الليلِ معكْ
- زياد السبيت