ليس هذا العنوان لكتاب طبي كما قد يتبادر للذهن، ولكنه اسم لرواية!.. قد يكون لصاحبة الرواية - شروق الخالد - وجهة نظرها في اختيار هذا العنوان لكني - من وجهة نظر قارئ متذوق ليس غير - لا أجد فيه ما ينبئ عن رواية جيدة فضلا؛ عن أن تكون ممتعة للدرجة التي جعلتني غير قادر على إغلاق الرواية - التي تربو صفحاتها على المائة والثلاثين – قبل إنهائها!.. كان بإمكانها أن تعثر على عنوان أكثر غموضا وجمالا لو اختارت إحدى العبارات الواردة على لسان بطل الرواية، وعلى سبيل المثال (قطيع الغربان) الذي كنَّى به الراوي عن (الخوف) الذي يمثل محور الرواية!
تقوم الرواية على راوٍ واحد هو بطل الرواية (سعود) الذي يعاني من عقدة الخوف حتى أصبح هاجسا يلاحقه، وهمًّا يثقل كاهله، ومرضا يعيقه عن أداء وظائفه المعتادة في الحياة..
الخوف الذي يجرُّه إلى توخي الحذر من كل شيء. فحتى لا يصيبه المرض يضطر لأن يغسل أطباق طعامه بنفسه، وخشية أن ينفجر في وجهه موقد الغاز يتحول إلى نباتي، وخوفا من إنجاب أطفال هزيلين مثله يحجم عن الزواج حتى وقت متأخر، وتحسبا لسقوط الطائرة يحرم نفسه وزوجه من رحلة شهر العسل!..
عرف سعود في حياته ثلاث نساء أقام معهن علاقات متباينة؛ الأولى (سلاف) التي هي على طرف نقيض منه، فهي شجاعة واثقة من نفسها حاولت تبصيره إلى خطأ العيش في أوهامه وحاولت إخراجه من عالمه لكنها لم تفلح..
والثانية (كاميليا) الممرضة الفلبينية التي تعمل في مستوصف يكثر تردده عليه كلما أحس بحاجته لرعاية طبية أو نفسية أو حتى عاطفية!
والثالثة هي (سامية) التي تشاركه المرض نفسه؛ عثر عليها في مواقع التواصل الاجتماعي تبحث مثله في المنتديات التي تُعنى بمرض الرهاب.. هذه التي لم تنجح علاقته معها حتى في شفائه؛ بل كانت سببا في زيادة معاناته لأنها أكثر خوفا منه..
أما (سعاد) التي أصبحت بقدرة قادر زوجا له، وأنجبت دون رغبة منهما طفلهما الوحيد فلم يعرفها!.. هذه الزوجة الصبورة التي حاولت مجاراته ما وسعها الجهد ورضيت بأن تتحمل عنه عبء الحياة الزوجية، كان مآلها أن تخلى عنها وعن طفلهما في أولى محاولاته الجادة للتخلص مما هو فيه!..
وجد أن لا مناص من تغيير بيئته بدءا من التخلي عن أسرته وتغيير مقر إقامته، والبدء في كتابة مذكراته، وقد أنعم الله عليه بمبلغ من المال يكفيه لأن يقضي بقية عمره وحيدا في أية بقعة من الكون يختارها لتكون منفاه!
على الرغم من ضيق المساحة مكانا التي تتحرك فيها الرواية؛ إلا أن الكاتبة استطاعت أن تعوض هذا النقص باستعراض عدد كبير من المواقع في الكرة الأرضية على لسان بطل الرواية وهو يدرس اختياراته للمكان الذي يود الهجرة إليه..
كل ذلك في مساحة من الرواية لم تتجاوز أربع صفحات.. وبعد كل تفكير في بلد يبدي ما يقلقه منه.
فمثلا (دبي) التي انتقل إليها بالفعل لم تعجبه لقربها من بلده الذي جاء منه ولإمكان لقائه مصادفة بزوجه التي هرب منها! و(باريس) التي رحل إليها بعد ذلك لم تعجبه للتناقض الصارخ بين سكانها من ثراء فاحش إلى فقر مدقع.
فكر في (اليونان) لكن أزمتها الاقتصادية منعته من ذلك، وفكر في (تركيا) لكنه خشي أن يطير جسمه أشلاء في تفجير داعشي، أو دهسا في مظاهرة. وفي غمرة بحثه في خارطة العالم عن مكان آمن لم يستبعد أن يحل بالبلد الذي يستقر فيه مذبحة كمذبحة (سوريا)، أو فوضى عسكرية كما في (مصر) أو محنة طائفية كالتي في (العراق). أما (هونج كونج) فقد خشي إعصاراتها و(بانكوك) خاف فيروساتها و(بكين) توقع أن يحل بها الخسف! أما الدول الإسلامية فقد تجنبها مخافة أن يفقد حياته جراء تفجير أحد مساجدها وهو يؤدي صلاته!.
وبالطريقة نفسها استبعد دولا كثيرة حتى استقر على (سويسرا) رغم العبء المادي الذي يمكن أن يتكبده أثناء إقامته فيها..
وهكذا بطريقة ذكية مرت الكاتبة على العالم كله مبرزة ما يعتريه من قلاقل وكوارث وحروب وفقر ومجاعة وبطالة وإرهاب..
ولم تخلُ الرواية من بعض الإشارات الثقافية؛ كإشارتها إلى (شهود يهوه) وزعيمهم (ريتشارد راسل) على لسان الممرضة كاميليا التي تظن أن سعودا يمتنع عن التبرع بالدم بسبب اتباعه لهذه الطائفة!..
كما يزين الرواية بعض الاستشهادات المنوعة التي تأتي في موقعها الصحيح دعما لرأي أو مقولة لأحد الأبطال دون أن تكون مقحمة على النص، كاستشهادها بشطر بيت للمتنبي، وبمقولة للروائي الفرنسي (مارسيل براوست) وللشاعر الإنجليزي (جون ميلتون) وللفيلسوف الروماني (سينيكا) فضلا عن ذكرها لبعض أسماء أدوية الرهاب واستخداماتها..
وأخيرا لا يفوتني أن أشير إلى ما تتميز به الرواية من سلامة لغوية وأسلوب مشرق كانا عاملين مهمين في إلحاقها - من وجهة نظري - بالروايات التي تستحق القراءة والاقتناء..
- سعد عبدالله الغريبي