أعلن المنظمون لجائزة الملك عبدالعزيز للأدب الشعبي، التي ستقام ضمن فعاليات مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، قيمة الجوائز التي تفوّقت على غيرها من الجوائز الوطنية - كما يُقال - إذ رُصِد لهذه المسابقة - بحسب بعض الصحف - (24) مليون ريال لثلاثة فروع، هي (الشيلات - والنظم - والمحاورة).
إبّان هذا الإعلان حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بسخط عارم من بعض المثقفين السعوديين اعتراضًا، تفاوت سببه بين السخط على حجم المبلغ المرصود, ونوعية الأدب المكرم الذي لا يرون أنه جدير بظاهرة ثقافية كهذهن ولا يجب أن يعد ثقافة!
ذاهبين من خلال لفظة (شيلات) إلى أنها ترمز للعصبية القبلية في حين أن للجائزة شروطها؛ إذ «دعت إدارة المهرجان المسجلين والمسجلات في فروع المسابقة إلى الحفاظ على الهوية الفريدة للمملكة, وقيمها الحضاريّة، وتراثها الثقافي، بما يوطد العلاقة بين الإنسان العربي ومآثره الفكرية»؛ ما يعني أنه لن يتقدم للمسابقة من يُعلي صوت القبيلة أو يفاخر بها؛ فالفخر هنا بالوطن ومآثره فقط.
وكتوصيف للوضع الحالي أقول:
المثقفون بالفصحى في كل مجتمع لا يتجاوز عددهم عدد مثقفي الموروثات الشعبية, والأدب الذي يفقهه الأديب المختص ليس هو الأدب الذي يفهمه عامة الشعب.
ولو عدنا لعدد الجوائز المرصودة للأدب الفصيح لوجدناها تعادل هذا المبلغ وتزيد؛ فيكفي أن نرصد جوائز معرض الكتاب, وسوق عكاظ, وجوائز كتاب العام في الأندية الأدبية, وجوائز الصوالين الخاصة, والعامة, وسخاء الوزارة والأندية في طباعة نتاج أدباء الفصحى, بل شراء نتاجهم بمبالغ هائلة.
من زاوية أخرى نجد أن شعراء الشعبي هم أكثر من تغنى بالوطن في حربه ضد الإرهاب, وأكثر من تغنى بتاريخ الوطن - وإن كان دور الفصيح لا يُنكر في هذا المجال - بل غُنيت (شِيلت) قصائدهم على نفقتهم الخاصة بمبالغ طائلة, دون أدنى دعم من أي جهة رسمية، وأحب الناس ما قدموا وتغنوا به؛ لأنه جاء بلهجتهم المحكية.
بالمقابل - وما زلنا في سياق التبعيض- من يقرأ تغريدات بعض المثقفين وقصائدهم ومقالاتهم - ولا أبرئ نفسي - لن يجد إلا عين السخط المُعظّمة لكل صغيرة وكبيرة, ووفق حذلقتنا الخاصة تظهر أبراجنا العاجية.
ما أريد قوله من كل ما تقدم: إن مصادرة الأذواق باسم الثقافة لا تليق بمثقف؛ فالمثقف الحقيقي لا يتنكر لموروثات وطنه, وإرثه الشعبي.
إن مزاين الإبل الذي يسخر به بعض المثقفين اليوم بدأ فكرة سعودية 100 % وتوقف, فأخذته بعض دول الخليج ونجحت من خلاله في إنعاش سياحتها لهواة هذا النوع من الثقافة الإقليمية, واستقطبت لأجله أبناء الوطن حتى صار ظاهرة ثقافية شعبية، يحضرها السياح من كل بلد؛ ففي (مزاين الظفرة بالإمارات) معظم المشاركين من السعودية, وفي شاعر المليون في الإمارات أيضًا معظم المشاركين من السعوديين والسعوديات؛ فمن لهؤلاء المبدعين إذا لم تدعم جائزة الملك عبدالعزيز ما لديهم من أدب شعبي، هو إرث وتاريخ للوطن؟!
ما يميز مهرجان هذا العام أنه فتح باب المشاركة لأدباء الشعر الشعبي رجالاً ونساء، ليس من السعودية فقط، بل من دول أخرى. ولا ضير في كل ذلك؛ فالوطن قبل ذلك قد فتح باب التكريم لأدباء الفصحى, وخير شاهد على ذلك احتفالية سوق عكاظ السنوية.
المختلف في مهرجان هذا العام أنه سيكون ظاهرة ثقافية متاحة لإنعاش السياحة, وتوفير دخل للأسر المنتجة, وسيدخل على الدولة إيرادات تنعش السياحة الداخلية.. فلنكن عونًا للوطن في رؤيته المستقبلية, ولنحترم العقول التي تدير برؤية أكثر صفاء منا هذه المرحلة المهمة في تثبيت هويّة الوطن؛ لأنّها تعمل على تذكير الأجيال بتراثهم الذي يربطهم بهذه الأرض.
- د. زكية بنت محمد العتيبي