تفاجئني تلك الحالة من القلق التي لا أمتلك أسبابا محددة لحدوثها ولا أستطيع رصد أجواء خاصة بحالة حدوثها لتقييمها والانزياح عنها. لأتساءل بيني وبين نفسي: كيف أكتب عن هذا القلق الذي يلازمني في كثير من أوقاتي، بغية التخلص منه ؟
قد يرتبط القلق بالمزاج وقد يرتبط بالوعي حيث يمكن لكل ذات أن تقوده ولايقودها وإذا كان الأمر كذلك فهو في وعي المبدع قلق إبداعي ومنتج حيث يتلبس الذت الإبداعية حتى تنتهي إلى إبداعها بمساعدة ذلك القلق الاختياري ربما.
لا يتاح لي القبض على قلقي بشكل كامل لأسيطر عليه، إنه يمتلك ميزة المراوغة والزئبقية والتناسل فيفر مني مع إنني أحاول أن أنتصر عليه وإن كان ذلك بالتغاضي عنه ونسيان هزائمي المتتالية في حضوره. إنه يزداد قتامة في ذاتي كلما غامرت بالتحدي والتعالي عليه.
فهل تلك المزاجية القلقة أداة وضرورة تعبيرية للممارسة الإبداعية ؟ هل لها علاقة ما بحالة الانفصال بين اللاوعي والوعي والشعور واللاشعور بغاية تشكل حالة الإلهام المباغتة ؟.
إنها أسئلة تبحث فيّ عنيّ كما أبحث فيها عن ماوراء ذلك القلق الفطري الذي يأتي ويذهب فجأة وربما كان صغيرا يوما ما، وكبر معي فيما بعد.
عن ذلك القلق الإيجابي ذكر الدكتور سعد البازعي في كتابه (قلق المعرفة) قائلا: القلق هو ناتج الوقوف أمام الاختلاف، اختلاف ثقافة عن ثقافة أخرى، أو هو ناتج عن الأسئلة المحيرة التي لا تتوقف المعرفة عن طرحها والتنامي من خلالها، سواء كان ذلك أمام المفكر أو الشاعر أو الفنان.
هذا القول للدكتور البازعي يجعلنا نغير نظرتنا السلبية لذلك القلق الصديق الذي يمتحن ممارساتنا الفكرية لتكون خلاقة وشفافة وإنسانية بحيث نطور من علاقتنا به ونعتبره جزءا لايتجزأ من مناخ الكتابة والألفة.
- هدى الدغفق