رمضان جريدي العنزي
يخرجون الأقلام، يشرعون ويكتبون، يرفعون العقيرة ويندبون، يرتقون المنصة، يلقون القصائد ويخطبون، يشحذون المال والهمم ويتناخون، يحضرون أدوات التصوير ويبدعون في الإخراج والشيلات والأناشيد، يقولون الذي لا يقال، يتعدون في القول، حدود العقل والمنطق والحقيقة والواقع، يبالغون حد الدهشة المطلقة، كل ذلك من أجل مجرم قاتل جاني، رمل المرأة، ويتم الطفل، وفطر قلب رجل، وإلغاء مستقبل أسرة كاملة، أعياها بالهم واليأس، ودثرها بالحزن والقنوط، أما بني قومنا المشرعون للجاني، والمنظمون لحفلات الردح، والمطبلون له، والواضعون أسس الديات، والموقعون النشامى، والمترززون أمام فلاشات التصوير، فقد تخلوا عن الفقراء المساكين المتعففين، ونبذوهم وراء ظهورهم قصداً وعنوة وعمداً، بل مارسوا عليهم التجاهل والصد والقطيعة والهجران، لم يكلفوا أنفسهم كيف يشرعون لمساعدة أسرة فقيرة معدمة ومحتاجة، أو كيف يسددون دين معوز، أو ما هي الطريقة المثلى لمعالجة مريض أنهكه التعب والأعياء والمرض، أو كيف يحلوا قضية إنسانية أكل عليها الدهر وشرب، أو كيف يساعدوا الشباب على الزواج، أو كيف يدعمون جمعية خيرية، أو ما هي طرق البحث عن المتعففين في الزوايا المهملة، والأبواب المغلقة، لكنهم يفعلون ذلك بتفان، وحركة مطلقة دؤوبة من أجل قاتل طغى وتجبر وتكبر وولغ في الدم حتى الثمالة، ويبذلون جاههم وصيتهم ووقتهم ومالهم من أجله، لا طمعًا بالعفو والمغفرة والجزاء الأوفر، بل من أجل الإشادة والفلاش والمديح، أن على هؤلاء الذين يملكون الطاقات الجبارة في التشريع والتنظيم لبازار الدم، والذين يتسابقون في دفع المال لأجله، عليهم أن يضعوا قدراتهم العقلية والفكرية والمالية والجاه والصيت والسمعة في كيفية مساعدة المحتاجين، وسد حاجتهم وفاقتهم وعوزهم، دون إيذاء قلوبهم البيضاء، وخدش تعففهم النبيل، وكسر أرواحهم الطاهرة، لهؤلاء فليعمل العاملون، وليس لغيرهم، على القادرين والمشرعين أن يتعاملوا معهم بكامل البساطة والعفوية، ثم ينسون ما عملوا بعيدًا عن الفلاش والتصوير والاحتفاء والقصيد، أن الشريعة الإسلامية السمحاء أولت شريحة الفقراء والمساكين اهتمامًا كبيرًا، وحثت على مساعدتهم والاهتمام بهم وتفقد حالهم ومواساتهم والأنفاق عليهم، أن التعامل مع هذه الشريحة العفيفة يتطلب تعاملاً مباشراً، وجهود جماعية، كما يفعل ويعمل مع بازرات الدم المسفوح، الذي تحول من عقوبة دينية رادعة، إلمتاجرة ومدح وشيلة وفلاش ونشيد، بازار الدم هذا يجب أن يجد طريقه إلى النهاية، فأما العفو التام، وإما القصاص، بعيداً عن تزييف وعي الناس، وفبركة الصورة والمقال، والاجتماعات التمثيلية، والأفكار والمقترحات البائدة، والتواقيع التي رسمت بحبر سائل قابل للمحو والتراجع والإزالة، قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "والله إني لا أخشى على الذي يفكر ولو ضل، لأنه لا بد له أن يعود إلى رشده ويتبع الحق، ولكني أخشى على الذي لا يفكر ولو اهتدي، لأنه كالريشة في مهب الريح"، والله من وراء القصد.