«الجزيرة» - محمد السنيد:
اختتمت ورشة عمل جرائم الملكية الثقافية والاتجار بالآثار التي نظمتها الهيئة العامة للسياحة التراث الوطني بالتعاون مع سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرياض خلال الفترة من ( 19 - 23 مارس الجاري)، أعمالها أمس الخميس، بمشاركة نخبة من الخبراء والمختصين في مكافحة الاتجار بالآثار الذين استعرضوا خبراتهم وأبحاثهم في مكافحة انتهاك حقوق الملكية الثقافية وجرائم نهب الآثار وأخذها من مواقعها بالطرق غير المشروعة.
واستعرضت الورشة التي احتضنها المتحف الوطني بالرياض وعلى مدى أربعة أيام، عمليات مكافحة هذه الجريمة بجوانبها المختلفة، وجهود الإسهام في تعزيز التوعية بخطر الجريمة الثقافية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
وتحدثت الورشة عن فهم الطلب في سوق الآثار والفنون، وسرقة القطع الأثرية والمتاحف وقدمت عدداً من النماذج مثل متحف إيزابيلا ستيوارت غردنر، إلى جانب عرض سلسلة من التحقيقات في جرائم نهب متنوعة تمت في بلدان مختلفة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.
واستعرضت الورشة دراسة حالة منظمة اليونسكو ودورها في مكافحة انتهاكات الملكية الثقافية والتعدي على الآثار بنهبها وتزويرها، وناقشت إنجازات وتجارب مكتب التحقيقات الفدرالي في عدد من مدن الولايات المتحدة الأمريكية، وقدمت نماذج للحالات التي تعامل معها المكتب وسجل فيها نجاحات كبيرة انتهت بالقبض على الجناة واسترداد الحقوق المنتهكة وإعادتها لذويها، مبينة أن ذلك يتم عبر بحث دقيق وسلسلة من التحقيقات التي يشترك فيها كثير من الأطراف الرسمية وغير الرسمية.
وتناول الدكتور علي الغبان نائب رئيس الهيئة المشرف العام على برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري واقع الآثار والتراث الثقافي ومهدداته على مستوى الشرق الأوسط والعالم، لافتاً إلى أن الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حالياً أدت إلى مزيد من التعدي على حقوق الملكية والآثار نتيجة إفرازات النزاعات والصراعات التي تشهدها كثير من دول المنطقة حالياً.
ولفت الغبان إلى أن الاتجار بالقطع الأثرية يجب أن يكون مسموحاً به وفق قانون وضوابط تسهم بتداول القطع الأثرية، مشيراً إلى أن هناك أشخاصاً يملكون قطعا أثرية خاصة بهم ومن حقهم الاتجار بها وفق تلك الضوابط.
وقال: "نحن في المملكة العربية السعودية كسرنا القاعدة وأجزنا الاتجار في الآثار شريطة الالتزام بالأنظمة والقوانين المنظمة لتلك التجارة"، مشيراً إلى مبادرات المملكة في مكافحة جرائم التعدي على الآثار على المستويات كافة، لافتاً إلى أن جرم انتهاك حقوق الملكية الثقافية وسرقة الآثار لا يقل فداحة عن جرائم المخدرات التي تشكل هاجسا دولياً يعيشه العالم حالياً.
كما ناقشت الورقة التي قدمها الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد، مستشار سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للتراث، أهمية المحافظة على التراث الثقافي في المملكة، وتناولت ورقة أخرى قدمها الدكتور حسين أبو الحسن، المستشار في قطاع الآثار في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، للآثار قانون حماية الممتلكات الثقافية وحماية التراث في المملكة. متناولاً جملة من الأنظمة والتشريعات الصادرة لحماية التراث الثقافي المادي، بما في ذلك، نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الصادر ولوائحه التنفيذية.
وقدم رازمك مادويان المحقق بوزارة الأمن القومي بلوس انجلوس، و أليزا بيث ريفز من مكتب التحقيقات الفدرالي بلوس انجلوس ورقة عمل عن اللوحات الفنية المزيفة، واستعرضا مجموعة من النماذج والصور لهذه اللوحات.
وقالت أليزا بيث مهمتنا كمحققين تكمن في رصد المعلومات الدقيقة والحقيقية عن اللوحة أو القطعة الفنية المزيفة من خلال التحريات والبحث الدقيق عن معلومات اللوحة الأصلية من حيث التاريخ والمادة الأصلية ومنشأ القطعة، ومسرح الجريمة الذي ارتكبت فيه الحالة، مبينة أنه وبمثل ما يتحايل المزورون ويبتكرون عدة طرق فنية للتمويه فإنَنا نلجأ أيضاً إلى طرق مختلفة تمكننا من كشف تحريفاتهم وتتبع خطوات التمويه وسير خط الجناة ومتابعتهم بطرق رسمية وغير رسمية، مضيفة أننا سجلنا نجاحات كثيرة في عمليات التحقيق حول القطع المسروقة والمزيفة وتمكنا من محاصرة الجناة ومحاكمتهم ورد اللوحات إلى أصحابها، لافتة إلى ضرورة تكاتف الجهود وتعاون جهات كثيرة لمكافحة هذه الجرائم منها الشرطة ووزارات العدل والداخلية والجمارك وشركات التأمين وأفراد المجتمع المدني، وقالت يجب أن تشارك الدول في الشرطة الدولية (الإنتربول) لمتابعة وملاحقة الجناة على المستوى الدولي.
وتطرق رازميك إلى أهمية تفاصيل الصور واللوحات المزورة بالرجوع إلى عدد من المصادر والخبراء والمتخصصيين، مقدما عدداً من النماذج التي تم كشفها وضبط المجرمين ومحاصرتهم بالأدلة التي قادت إلى إدانتهم ومحاكمتهم بالسجن والغرامات المالية، وتحدث عن ضرورة التعاون الدولي في محاصرة جرائم مكافحة انتهاكات الملكية الثقافية وجرائم نهب وسرقة الآثار، التي عدها جريمة تتعلق بطمس هوية وحضارة الشعوب والإنسانية بصفة عامة.
واستعرض تيموثي كاربنتر، المحقق الخاص ومشرف برنامج السرقات الفنية ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي بواشنطن ورقة خاصة عن طرق الاحتيال وتزييف اللوحات الفنية وآليات مكافحة جريمة انتهاك حقوق الملكية الثقافية، وسرقة الآثار التي تمت في عدد من الدول، لافتاً إلى أهمية المعاهدات الدولية في مكافحة هذه الظاهرة التي لا تقل خطورتها عن الجرائم عابرة الحدود مثل المخدرات غيرها، رافعاً شكره إلى حكومة المملكة وشعبها ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، على كرم الضيافة والحفاوة، وقال إن هذه الندوة تمثل نافذة في فتح الحوار الثقافي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية.
وفي ختام الورشة شكرت ممثلة السفارة الأمريكية، التي حضرت الجلسة الختامية لهذه الفعالية حكومة خادم الحرمين وشعبها المضياف رافعة شكرها بشكل خاص إلى صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، لافتة إلى نجاح الندوة في تحقيق أهدافها المتمثلة في نقل التجارب وتبادل الخبرات بين شعبي البلدين.
وكان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قد افتتح الورشة الأحد الماضي بكلمة أكد فيها، اهتمام الدولة بالمحافظة على كنوزها الأثرية، وأن أي عبث بالآثار يمثل جريمة كبرى يحاسب عليها القانون، مشدداً في الوقت ذاته، على أن خط الدفاع الأول لحماية تلك الآثار هو المواطن نفسه، وذلك عبر تزكية روح المواطنة والتوعية بخطورة سرقة الآثار والاتجار بها.