محمد المنيف
حضور الفنون في المناسبات الوطنية في أي بلد في العالم يُعد جسرًا يصل الوطن بمشاعر المواطنين؛ فالأغنية الوطنية يرددها كل لسان، وتتفاعل معها العواطف.. والقصيدة تعزز الوطنية، وتحرِّك الوجدان، وتستفز الإحساس بالدفاع عن الوطن أرضًا ومجتمعًا. وأرى أن اللوحة التشكيلية - من وجهة نظر (خاصة)؛ حتى لا يغضب أصحاب الإبداعات الأخرى - هي التي تجمع كل العناصر والمشاعر؛ فهي تُرى بالعين، وتُترجم بالعقل، وتبقى أمام الناظر لها بكل جمالياتها حينما تحتل مساحة من جدار مكتب أو مجلس في منزل أو صالة جلوس.. كما تزداد يومًا بعد يوم عند الاستثمار والتسويق.. ليس لها تاريخ انتهاء بقدر ما تزداد أهميتها كلما زاد عمرها.
فكيف إذا كانت تعبِّر عن الوطن وبطولات قادته وجمال بيئته بصور مباشرة، توثق المواقف، وتستعيد واقع الحياة مهما غاب، عبر استنتاجات الفنانين مما يرويه الرواة والمؤرخون؛ ما جعل الفنان قادرًا عبر اللوحة على أن يعيد الأحداث السلمية أو الحربية. وأتذكر هنا لوحة الجرنيكا التي ينسب اسمها لقرية الجرنيكا التي أمطرها الألمان بوابل من قنابل طائراتهم، ورسمها الفنان بابلو بيكاسو متأثرًا بما حدث للقرية، بتكليف من حكومة الجمهورية الإسبانية الثانية (1931 -1939)، وعُرضت في الجناح الإسباني في المعرض الدولي للتقنيات والفنون في الحياة المعاصرة، الذي أُقيم في باريس عام 1937 فأصبحت أشهر اللوحات التي تذكّر بمآسي الحروب، وتوجد حاليًا في مقر الأمم المتحدة.
هذا التفاعل من الفنان التشكيلي مع منجزه في حال توظيفه لخدمة السلام سيكون أكثر وقعًا في التاريخ وفي النفوس، إضافة إلى ما يمكن أن يقوم به في إبراز انتمائه الوطني، وهو ما أحببت الإشارة إليه ممثلاً في الاهتمام الكبير من الجهات الرسمية والخاصة في وطننا التي تمنح التشكيليين الفرص للمساهمة في التعبير عن ولائهم وانتمائهم لوطنهم دون شروط أو مواصفات للمشاركة بقدر ما تترك للفنان حرية التعبير؛ فكانت المعارض التشكيلية المشاركة في مثل هذه المناسبات مبعث إعجاب وتقدير ومصدر فخر من الفنانين حينما تُعرض داخل المملكة وخارجها، بما تتضمنه من عناصر تجمع أطراف الوطن، يغمسون أدواتهم الفنية في رماله، ويبللونها بمياه بحارة، ويكحلونها بزرقة سمائه.