أ.د.عثمان بن صالح العامر
مشكلتنا ليست في البدايات، بل في ضمان الاستمرار في العمل حتى النهاية، نتحمس كثيراً لخوض التجربة أياً كانت وسرعان ما نمل ونعلن الفشل، نفسُنا قصير، ونبحث عن النتيجة القريبة، نريد الربح السريع إذا كان المشروع الذي «طفينا» فيه مشروعاً تجارياً، نتطلع للثمرة العاجلة أياً كان العمل الذي نحن بصدده، تفكيرنا منصب على الأمل الذي نحلم به ونفكر فيه، لا نرى إلا الإيجابيات والنتائج والخيرات التي سنجنيها من هذا العمل الذي انخرطنا فيه، دون أن نمعن النظر قبل البدء في العقبات والمعوقات التي قد تعترض طريقنا وربما تكون سبباً لفشلنا – لا سمح الله- فيما نحن عاقدون العزم عليه، ليس هذا في المشاريع التجارية فحسب، بل أستطيع أن أعمم الحكم على كثير من سلوكياتنا الحياتية.
* تخفيف الوزن مثلاً، نسجّل في النادي، ونشتري أجهزة الرياضة، ونمشي في اليوم الأول ساعة كاملة، ونمارس التمارين التي ينصح بها أهل الاختصاص، وربما أخذنا برنامجاً غذائياً صحياً مقنناً من إحدى الشركات المتخصصة في السوق، وقد نعتذر عن مناسبات اجتماعية في البداية حرصاً على (الدايت) ومن أجل النجاح في حربنا مع السمنة، وما إن يمضي شهر أو شهران حتى رجعنا سيرتنا الأولى، بل ربما أشد من قبل؛ لأننا مللنا من الحياة الجديدة التي نريد أن نسيّر أنفسنا عليها.
* الالتحاق ببرنامج علمي، أو القراءة اليومية، أو البحث المتخصص، أو الدراسة المنتظمة في دبلوم معين أو ... نتحمس ثم نفتر، وعلى ذلك قس.
السبب في هذا أننا لم نتعلم فن الصبر، ولا نعرف دلالة المثابرة، والرغبة عندنا في الإنجاز وإن وجدت فإنها ضعيفة، فضلاً عن أن الإرادة والعزيمة لدينا تحتاج إلى تقوية وتعزيز، ولأن كثيراً من سلوكياتنا تنشأ شعورياً أو لا شعورياً محاكاة للآخر وتقليداً للآخرين الذين نجحوا من قبل في هذا الأمر بعد أن بذلوا أسباب النجاح وصبروا على المذاق المر الذي صادفوه يوماً ما، وهذا الجزء المهم من الحقيقة غائب عنا أو أننا أصلاً لا نكترث به ولا نفكر فيه، فنحن جيل نشأ في ظل رغد العيش الذي حقق لنا الحصول على ما نريد بأقل التكاليف وبأسرع الأوقات.
المرحلة التي نعيشها اليوم تختلف عمّا مضى، فهي لا تحتمل «الطفات»، ولا مكان فيها للنزوات والتجارب، ولذا لابد من الدراسة الجيدة لأي قرار تريد اتخاذه قبل الشروع فيه بشكل جيد، لابد أن تعزز إرادتك جيداً، وتقوي عزيمتك بشكل متميز، وتتوكل على الله في شأنك كله، بعد أن تستشير أهل الخبرة والدراية الذين تثق بهم، وتستخير الحي الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين، وقبل هذا وذاك تعمل عقلك جيداً فيما أنت مقدم عليه، وإلا فدع الأمر منذ البداية ووفر على نفسك تسجيل تجربة فاشلة في حياتك، والدرس الأهم الذي يجب أن تلقن نفسك إياه أن النجاح الفعلي يحتاج إلى صبر ومصابرة، وإلا فالنتائج قد تكون عكسية. دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.