رقية سليمان الهويريني
حين أكتب عن التعنيف وأشجبه وأحاربه لا يعني أنه ظاهرة متفشية؛ برغم شيوعه ووجوده على أرض الواقع! وما ينشر من قصص وحوادث مفجعة وموجعة للقلب ليست هي كل الحالات؛ بل إن ما ينشر قد لا يمثل الواقع المؤسف الذي يعاني منه بعض الأطفال والنساء.
والعنف في بلادنا منشأه فكري بالدرجة الأولى، حيث يجد الرجل نفسه مدفوعاً بالإحساس بالتملك والولاية المطلقة، وليس مرده قصوراً في عقله أو بسبب تعاطيه المخدرات، أو لأسباب نفسية أو عصبية كما يتوقعه الكثيرون، بدليل أن العنف يقع على المقربين من العائلة كالزوجة والأبناء أو الأخوات، الذين يشعر المعنِف بملكية التصرف تجاههم مع قصور الأنظمة عن الوقوف بوجهه! فيما لم ترد قصص عن عنف تجاه الجيران أو الأصدقاء أو حتى الأقارب من الدرجة البعيدة لأنه يخاف من سطوة القانون والتعرض للعقاب والسجن.
ولعل الكثير سمع أو قرأ ما جرى لتلك المعَنَّفة التي حاولت الهروب من عنف زوجها وضربه لها، وذلك بالقفز من الدور الثالث مما أحدث لها إصابة بالغة صارت بعدها طريحة الفراش وأصيبت بشلل في رجليها. وبعد التحقيق تبين أن زوجها قد تسبب لها بهذه الإعاقة وتم سجنه لمدة أربعة أيام فقط ثم أطلق سراحه لعدم ثبوت التهمة! فيما تطورت حالتها المرضية ولم تستطع متابعة الحياة وتوفاها الله، وضمها القبر، وأصبح الموت هو الحضن الآمن والصدر الدافئ فارتاحت من العناء.
وكم من امرأة لجأت لأبيها أو أخيها لطلب الحماية، والتماس الرعاية ولكنه صدها ودحرها فاضطرت للعودة إلى نيران عنف بيت الزوجية بدلاً من الشارع! ولكن هذه المعنفة لاذت بالشارع بعد أن أوجعتها سياط جدران ذلك المنزل الذي يشاركها فيه زوج قاس!
فكم من امرأة في بلادي مثل هذه المرأة تنتظر الإنصاف وحين تأخر، طلبها الموت!
هذه المرأة أنصفها الموت واستقبلها القبر، فهي ترقد فيه بأمن وهدوء وسلام!!
لن أبكيها لأنها حتماً مطمئنة ومسترخية. فليس أشد فزعاً من الخوف، وليس أقسى ألماً من البطش!!