الشارقة - خالد المشاري:
شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أمس الأربعاء في "اكسبو الشارقة" الجلسة الحوارية لآلبرت غور نائب رئيس الولايات المتحدة الأسبق رئيس ومؤسس مشروع "الواقع المناخي" التي حملت عنوان "التغيّر المناخي...هل من حلول؟"، وحاوره فيها الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي رئيس دائرة العلاقات الحكومية.
وأكد آلبرت غور خلال الجلسة التي أقيمت ضمن فعاليات المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في دورته الـ6 الذي يحمل شعار "مشاركة مجتمعية... تنمية شاملة"، بأن دولة الإمارات تسير بخطوات واثقة نحو الاستدامة، مشيداً بمشاريع الطاقة المتجددة التي تقوم بتنفيذها، ومنوهاً بأهمية اهتمام القيادة والمجتمع الإماراتي بتأثيرات التغير المناخي وتبعاته على مسيرة التنمية المستدامة.
وأشاد غور بالدور الرائد الذي يقوم به صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي على صعيد نشر الثقافة والتعليم، واصفاً ما تقوم به إمارة الشارقة ودولة الإمارات بأنه مثير للإعجاب، ومنوهاً بأن الوعي المجتمعي الناتج عن التهيئة التعليمية والثقافية أمر بالغ الأهمية لمواجهة تحديات التغير المناخي والتعريف بهذه الظاهرة وخطورتها على مستقبل الأجيال القادمة.
وجرى خلال الجلسة مناقشة خطورة غياب الوعي المجتمعي بقضية التغير المناخي ومدى تأثير ذلك على مستقبل الدول.
ولفت الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي إلى أن مستوى الوعي في إفريقيا وأميركا اللاتينية حول قضية التغير المناخي يعتبر الأعلى عالمياً، إذ إن 38 بالمئة من سكان الشرق الأوسط يرون بأن تغير المناخ مشكلة خطيرة، بينما 27 بالمئة فقط قلقة من أن تغير المناخ سيؤثر عليهم شخصياً.
وأوضح آلبرت غور بأن ذلك يمثل أزمة حقيقية لحكومات المنطقة وتحدياً كبيراً لها، مؤكداً بأن قضية التغير المناخي ليست تحدياً لمنطقة دون غيرها في العالم بل هو تحدٍ أخلاقي للبشرية.
وأشار رئيس ومؤسس مشروع "الواقع المناخي" إلى أن التغير المناخي الراهن ليس مجرد أزمة عادية، فهو عبارة عن تصادم مباشر للحضارة البشرية مع كوكب الأرض نتيجة التقدم التكنولوجي وتنامي عدد السكان، مشدداً على ضرورة التحرك السريع لتغيير نمط التفكير السائد في العالم حالياً.
وحول تداعيات التغير المناخي قال نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق "قد تبدو لنا السماء بوابة لفضاء واسع ولكنها في الحقيقة غلاف رقيق يتداعى كل يوم نتيجة لأكثر من 110 طن من الملوثات يتلقاها الجو وتؤدي بشكل مباشر إلى اتساع ثقب الأوزون ما يؤدي لارتفاع درجات الحرارة ومنسوب مياه البحر".
وأوضح آل غور أن الأرقام المتعلقة بالتدهور البيئي تشكل جرس إنذار في جميع أنحاء العالم، واستشهد بتقرير للبنك الدولي بالتعاون مع معهد المقاييس والتقييم الصحي الصادر في سبتمبر 2016 ويشير إلى أن تلوث الهواء يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من 225 مليار دولار بسبب غياب الموظفين عن العمل والتكاليف المستحقة للرعاية الصحية، كما أشار التقرير أيضاً إلى أن 5.5 ملايين حالة وفاة في عام 2013 كانت نتيجة مباشرة لتلوث الهواء.
وبيَّن آل غور بأن الاستقرار السياسي مهم لتعزيز منظومة التعاون الدولي بهدف وضع الحلول للحد من تداعيات التغير المناخي، موضحاً بأن كل الأديان السماوية "الإسلام والمسيحية واليهودية" تشجع على ثقافة الحياة وتدين ثقافة الموت، مؤكداً ضرورة تبني شعوب العالم لثقافة الحياة والتوعية العامة لفهم خطورة الموقف الراهن، وأنه يجب على الجميع التحرك سوياً لحماية الكوكب كشرط لاستمرار الحياة للأجيال القادمة.
وقال في هذا الإطار: "الإنسان يميل إلى إنكار ما يزعجه، ولكننا اليوم لا نستطيع إنكار التهديد القائم، ولا نريد اختبار غضب الطبيعة".
وبيَّن غور بأن التطور التكنولوجي المتسارع يتيح اليوم فرصة لمعالجة الآثار الناجمة عن التغير المناخي وتبعاته، مشيراً إلى ضرورة طرح الحلول المبتكرة ومنها التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة.
ولفت نائب رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق إلى أن الطاقة المتجددة أقل تكلفة من الوقود الأحفوري وتتناسب مع مختلف مناخات الدول وجغرافيتها، فهناك الطاقة المولدة من الرياح ومن المياه الجارية ومن الشمس.
وفي سؤال طرحه الشيخ فاهم بن سلطان القاسمي حول أهمية التعليم في دعم مسيرة التوعية المجتمعية مستشهداً بالشارقة كعاصمة للتعليم في المنطقة، بين آل غور بأن دور المعرفة والعلم أساسي في مجال التغير المناخي.
وأضاف غور أن التعليم يسهل من مهمة الحكومات في تمكين شعوب أكثر وعياً بالقضايا المصيرية، مشيداً بتجربة الشارقة التعليمية، إذ إن بناء جيل واعٍ ومتسلح بالعلم سيمهد لمستقبل أفضل حالاً من واقعنا اليوم.
وأشار آلبرت غور إلى أننا نعيش في عصر يحاول فيه البعض الهيمنة على التفكير العام من خلال التضليل، وضرب غور مثلاً بقضية تأثير التدخين على الصحة، موضحاً بأنه ومنذ سنوات اكتشف العلم بأن التدخين سبب رئيس لأمراض القلب والرئتين وسواها، ولكن حاولت شركات التبغ الكبرى تقويض هذا التوافق العلمي، واستأجرت أطباء وعلماء لينشروا معلومات مفادها أنه لا إثبات علمياً على خطورة التدخين، ومنوهاً بأن هناك من يحاول في زمننا القيام بذات الشيء عندما نتحدث عن التغير المناخي، وهنا يأتي دور العلم الحقيقي والجامعات والمؤسسات الأكاديمية ونحتاج لمسارعة الخطى.
وفي رده على سؤال حول ما يمكن أن تقوم به حكومات المنطقة لتعزيز مسيرة التنمية المستدامة، قال آل غور إن منطقة الخليج تمتلك إمكانات كبيرة لتوليد الطاقة الشمسية، وأن الإمارات تحديداً تسير بخطى صحيحة في هذا المجال، قائلاً إن تجربتها جديرة بالاتباع والتكرار في أرجاء المنطقة كافة، منوهاً بأن دول الخليج تستطيع التعاون في شبكة كهربائية شمسية متكاملة.
وحول أهمية المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، أعرب غور عن إعجابه بالمنتدى ونجاحه على مدار الدورات الماضية، مؤكداً الدور الرائد للاتصال الحكومي في نشر الوعي والمعرفة بتحديات التغير المناخي ونتائجه، وموضحاً بأن التغير المناخي لا يمثل خطورة على المستقبل فقط بل إن الحاضر يتأثر به، منوهاً بأن هذه الظاهرة تهدد السلم العالمي، وقال في هذا الإطار: "نجحت الأمم المتحدة بالتوصل إلى اتفاق للقضاء على انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو ما يعكس الدور الريادي للأمم المتحدة، ولكن الجهود الأممية لن تكفي دون تعاون دول العالم كافة. اليوم هناك قضايا عدة تصنف كتداعيات للتغير المناخي، ومنها الجفاف الذي يؤدي إلى نزوح الناس والهجرة، وهو ما يشكل تحدياً أمنياً للعديد من الدول".وقال نائب الرئيس الأميركي الأسبق إن العديد من البلدان تواجه تحديات كبيرة مثل الأعاصير وارتفاع مستوى البحر وانتشار الأمراض، وكلها نتائج للتغير المناخي، وهي جميعاً عوامل تخلق ظروفاً تهدد السلم العالمي، ونحن يجب أن نخلق عالماً أفضل للأطفال لا أن نورثهم عالماً مليئاً بالفوضى وغير مستقر، يجب أن يرى الأطفال عالماً مستداماً لنعطيهم الأمل في مستقبل أفضل للبشرية.
وحول الحلول التي يمكن أن تسهم في تخفيف أضرار التغير المناخي، أشار غور إلى أن بعض الحكومات في أوروبا والأميركيتين بدأت بوضع ضريبة على الكربون، ويمكن أن نعيد النظر بكيفية بناء المباني بطريقة مسؤولة تراعي البيئة، ووضح بأن الحكومات كافة يجب أن تجيب على ثلاثة أسئلة في سعيها لفهم المشكلة وإيجاد الحلول لها وهي: كيف سيتم التغيير؟ وماذا يمكن أن تفعله ليتم التغيير؟ ومتى سنبدأ بالتغيير؟ مشدداً على ضرورة التحرك العالمي وتسخير الجهود كافة لحماية الكوكب.
وكان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة قد شهد أمس الأربعاء ثاني جلسات اليوم الأول للمنتدى الدولي للاتصال الحكومي في دورته السادسة، والتي أقيمت تحت عنوان "القطاعان العام والخاص: شراكة حقيقية نحو تنمية مستدامة"، وشارك فيها كل من الدكتور جيفري ساكس مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا، والدكتور محمد يونس الحائز على جائزة نوبل للسلام، وبدر جعفر رئيس شركة نفط الهلال، وأدارها جون المحرر المتخصص في أسواق المال الناشئة في شبكة سي إن إن.
وبدأت الجلسة بتوجيه سؤال للمتحدثين حول دور الاتصال في دعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وكذلك تحقيق الأهداف السبعة عشرة للتنمية المستدامة التي كشفت عنها الأمم المتحدة في عام 2016.وقال مدير الجلسة: "إن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اعتمدت المبادئ المنصوص عليها في أهداف التنمية المستدامة لسببين رئيسين: أولاً، حاجة العالم إلى تغيير توجهه ليصبح أكثر إنصافاً ووعياً من الناحيتين الاقتصادية والبيئية. ويتمثل السبب الثاني في أن أهداف التنمية المستدامة ليست مجرد أفكار أو مقترحات بل أهداف ينبغي تحقيقها في عام 2030، وإنها أداة اتصال قوية من شأنها أن تعزز التنسيق والتعاون بين البلدان لتحقيق أهداف مشتركة في المستقبل القريب، ولا شك أن العمل الجماعي والفعال بين القطاعين العام والخاص سيوفر خريطة الطريق اللازمة لتحقيق هذه الأهداف".وقال الدكتور جيفري ساكس: "إن دولة الإمارات شكلت ولا تزال نموذجاً رائعاً لكيفية وضع مصلحة الشعوب في صلب السياسات العامة، ويتضح ذلك جلياً في إطلاق الحكومة لمجلس السعادة العالمي، وإعلان 2017 عاماً للخير، ولا بد لي أن أشيد هنا بإيلاء الحكومة الإماراتية أهمية قصوى لأهداف التنمية المستدامة وحرصها على أن تكون هذه الأهداف في صلب نقاشات اليوم".
وفي معرض حديثه عن إمكانات القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، أشار بدر جعفر إلى أن حكومات المنطقة تواجه ضغوطات كبيرة يتعين عليها التعامل معها، والحكومات لا يمكنها في مثل هذه الظروف أن تتحمل كل المسؤولية تجاه توفير الفرص اللازمة لمواجهة تحديات البطالة، لكن القطاع الخاص لديه المقدرة والموارد اللازمة ليكون مساهماً فاعلاً في تحقيق التغيير المنشود، لكنه يحتاج أولاً لفهم جميع النواحي المتعلقة بالاستدامة وحوكمة الشركات والمساءلة.
وأضاف جعفر: "هناك فرصة هائلة أخرى في هذه المنطقة تتمثل في عدد الشركات العائلية التي تسهم بـ 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، حيث إن نهج هذه الشركات وفهمها للممارسات التجارية المثلى يمكن أن يسهم في إحراز تقدم فعلي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهناك أيضاً المجتمع المدني غير المستغل والكمية الكبيرة من أموال الزكاة والصدقات، والتي إذا ما استغلت على النحو الصحيح يمكن أن تشكل دعماً كبيراً لتحقيق بعض من أهداف التنمية المستدامة، إن التمويل في هذا الجزء من العالم لا يجب أن يشكل تحدياً رئيساً لأن روح العطاء تعتبر من القيم الأساسية لسكانه".