د. خيرية السقاف
لم يكن في البال أن يقنص الناس يوماً ما ليطوقونه بحيِّز مُرادهم,
الأيام بطبيعتها تملك كامل الحرية ودليلها بهذا للإنسان, لكل مكونات الكون
أنها خارجة عن حواسه السِّت, السَّبع أياً كان عددها عنده, فهو لا يلمسها, لا يراها, لا يشمها, لا يسمعها!!..
مع أنها تسطو عليه تنهبه, يتآكل فيها بعد أن يبلغ فيها مآربه, ويقضي..!!
ومع ذلك هو بكامل قواه العقلية, وبمنتهى جهله للأيام وسَمها بما يريد, وحددها وهي تأبى القيود!..
وفي مثل هذا جعل منها يوماً للأم...!!
مع أن الأم طبيعةً هي في كل الأيام لا تغيب, وإن غابت فهي الحاضرة,
وفي الحالتين المتسيّدة, المتصدرة, المهيمنة, المنسربة, المستبقة, المحتوية, المفرطة في الزخم, والدفء, والعطر, والصوت..
لها عنفوان الحياة وإن غادرتها الحياة بروحها, تبقى في كل ثانية, ولمحة الروح لكل صامت, ولكل نابض..!
هي الصوت والصدى, وهي النار والنور, وهي الماء والدلو, وهي الحنطة والرغيف, وهي
النداء والإجابة, وهي السؤال والنتيجة, وهي المحك والموقف, وهي الدولاب والساقية...
هي الرقرقة في العبارة, والمعنى في الجُملة, والمجاز في الحكمة, والبلاغة في الفعل..
هي الحياة التي لا تتأخر قيد أنملة عن الحياة,
هي الفعل في السكون في الراحة, والضجيج فيها, وهي المضغة في الوعي, والحرقة في الجرح..
ومع أن الإنسان حين يتمرد على المسطرة ينشز عن القياس, وحين يأنف عن الفطرة يجنح عن البوصلة.. فإنه حين يُذكِّر بها في يوم لا يملك فيه غير الأرقام, فإنه يُسقط عن كاهله مَهمَّة الوعي بصفاتها, وسماتها, بل حقيقتها..
هي الأم, في كل ثانية ولمحة, الأيام لها, وبها, وعنها, وليس غير أن نرفع قبعة التظلل بالوهم, ونستتر بفيء جناحيها..
أنتِ الأيام نوَّارة,
غائبة حاضرة تهيمنين بصفاتك, وسماتك في جذور المَنسَج, ودائرةَ المَغْزَل..
أنتِ النسيج تستبقين ما استشرف من الأيام,
وتوصلين بما مضى منها,
وتعمِّرين كلَّ لحظةٍ في التي تكون..!!