سعود عبدالعزيز الجنيدل
يقول الجاحظ: «إذا سمعت الرجل يقول ما ترك الأول للآخر شيئا فاعلم أنه ما يريد أن يفلح».
حقيقة هذه المقولة حري بها أن تكتب بماء الذهب، كيف لا وهي تدعونا إلى التجديد والابتكار، وأن لا نقف عند العلوم والمعارف التي وصلت لنا من الآخرين الذين سبقونا في العصور السابقة، بل علينا أن نفكر، ونبدع، ونطور، ولكن المتأمل لواقعنا, وبكل صراحة يجدنا عالة على غيرنا وخصوصًا على الغرب, فنحن ما نفتأ ننتظر آخر الاختراعات, والتقنيات لكي نقتنيها, وللأسف الغالبية منا لا تتقن حتى استعمالها.
ولو وضعنا الأسباب التي أدت بِنَا إلى هذه النتيجة وهذا المآل على طاولة التشريح، لطال بِنَا النقاش، فهي تحتاج إلى مطولات وليس مجرد مقال مرتبط بعدد معين من الكلمات لا يتجاوزها.
ومع هذا فقد اخترت سببًا واحداً من هذه الأسباب، وهو من وجهة نظري من أهم الأسباب، ألا وهو إهمال النقد.
فكثير من القضايا لا يسمح لنا بإبداء رأينا فيها وكأنها مسلمات لا يقبل المساس بها، وهي «تابو» لا يمس.
وهذا عطل ملكة النقد لدينا، لدرجة أن كثيرًا من القضايا تكون واضحة وضوح الشمس، ومع هذا تجد البعض ينجرف معها، خذ على سبيل المثال تأثير الإرهابيين على صغار السن، ومطالبتهم بقتل أعز الناس لديهم، وهم الآباء والأمهات مرورا بالأقارب.. إلخ.
فحين تنظر نظرة فاحصة ناقدة على هذه التصرفات تكتشف هشاشة تفكيرنا، فسرعان ما ننجرف مع أي طرف يحاول جذبنا لصالحه.
علينا أن ننقد ما يستحق النقد، فلا شيء يدعو للخوف، ولا نقف عند ما تركه الآخرون لنا، ولنتذكر مقولتين بهذا الخصوص:
الأولى مقولة الإمام مالك -رحمه الله-
« كُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيَرُدُّ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ».
ومقولة إمام العربية «الجاحظ»:
«إذا سمعت الرجل يقول ما ترك الأول للآخر شيئًا فاعلم أنه ما يريد أن يفلح».
وفي هذا الخصوص يذكر الدكتور الغذامي -أستاذنا الفاضل- قصة في كتابه «حكاية الحداثة في المملكة»
أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لاحظ أثناء بناء قصر المربع أنَّ البنَّاء نقش على مدخل قاعة الاستقبال هذين البيتين:
لَسْنَا وَإِنْ كَرُمَتْ أوائلنا
يَوْمًا عَلَى الْأنسَابِ نَتَّكِلُ
نَبْنِي كَمَا كَانَتْ أَوَائِلُنَا
تَبْنِي وَنَفْعَلُ مِثْلَمَا فَعَلُوا
فأمر - بعبقريته الفذة, ونظرته المستقبلية لهذا الوطن- بتغيير في البيت الثاني, هو في ذاته تعبير, ولكنه يحمل بين طياته النظرة المستقبلية للوطن, وماذا يجب علينا أن نفعل في هذا الوطن الغالي -حفظه الله من كل شر, ورد كيد الأعداء في نحورهم- هل عرفتم ما هو هذا التعديل؟
أمر بتغيير تعبير» مثلما فعلوا» إلى» فوق ما فعلوا»,وسأدع الفهم والتحليل لكم.