د.علي القرني
ما أكثر التوصيات التي صدرت عن مؤتمرات وندوات في مختلف التخصصات سواء كانت بالجامعات وهذه هي الأكثر أو من جهات مختلفة في الدولة أو في شركات ومؤسسات القطاع الخاص، وتعد بالمئات من المؤتمرات.. وآخر عهدنا بهذه التوصيات هو في البيانات الختامية لتلك المناسبات، ثم يطويها الزمن، ويتخطاها الاهتمام، وهكذا نحن على مر العقود الماضية.
وفلسفة التوصيات ليست مفهومة أبداً لدى كثير من الجهات المنظمة لمؤتمراتها وندواتها وورش عملها، فهي مجرد - في الفهم العام - إعداد وصياغة توصيات لنشرها في نهاية تلك الأحداث العلمية. ولهذا فلم يعد لتلك التوصيات أي أثر على مجريات التخصص أو محيطه الاجتماعي أو محيطه الإداري والتنظيمي.
وإذا نظرنا لكثير من المناسبات العلمية في عدد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة أو أوروبا وغيرها من الدول المتقدمة، سنجد أنه لا وجود أبداً لهذه التوصيات في تلك المؤتمرات والملتقيات العلمية التي تحدث في مختلف التخصصات، ويكفي نجاحاً لتلك الأحداث العلمية ان يكون النقاش والحوار بين أهل الاختصاص والمسؤولية قد حدث، وكل من شارك في تلك المؤتمرات يخرج منها ورأسه مليء بالتوصيات التي جمعها من خلال تقديم بحوث وأوراق علمية، فقد استفاد من تلك العروض والمناقشات وصنع لنفسه توصياته الخاصة التي حتماً سيستفيد منها في مجريات مشواره العلمي أو المهني في التخصص.
ونحن في العالم العربي بل في العالم النامي نسعى وقبل بداية تلك المؤتمرات والندوات إلى إعداد وصياغة التوصيات التي ستصدر عن تلك المناسبات، وننتظر الجلسات الختامية لنعلنها للجميع وأمام الرأي العام ووسائل الإعلام، وهذه تعد - حسب نظر القائمين على تلك المؤتمرات - نجاحاً كبيراً لتلك المناسبات العلمية. ولكن تموت هذه التوصيات بمجرد الإعلان عنها، وتبقى حبيسة في الأدراج، رغم أن هناك إجراءات تنظيمية في الجامعات لرفع التوصيات للجهات ذات العلاقة، ولكن الجهات ذات العلاقة يصبح ليس لها علاقة بتلك التوصيات، وتضيفها إلى تراكمات من توصيات سابقة، وبهذا تنتهي تلك التوصيات في أدراج كبيرة مخصصة لها في كثير من الأجهزة التنفيذية في بلادنا.
والسؤال الآن ما العمل؟
أولاً يجب أن نفهم فلسفة التوصيات، وهنا توضيح لتلك الفلسفة الغائبة عن كثير من الجهات المنظمة للمؤتمرات العلمية والندوات وورش العمل التي تصدر توصيات لها، مع بعض التوضيحات.
1. التوصيات ليست ضرورة أبداً في أي حدث علمي، فقد يكون نجاح المؤتمر في مجرد عرض البحوث وأوراق العمل ومناقشتها، كما هي الحال في المؤتمرات العلمية في كثير من الدول المتقدمة.
2. إذا كانت هناك ضرورة لوجود التوصيات يجب أن تكون مختصرة وبعدد لا يتعدى أصابع اليد أو اليدين بأي شكل من الأشكال، وأتذكر في أحد مؤتمرات الجمعية السعودية للإعلام والاتصال عندما كنت رئيساً لها وردتني من اللجنة العلمية في أحد مؤتمراتها 120 توصية، ورفضت جميع هذه التوصيات عدا ثلاث أو أربع توصيات فقط، وهي التي صدرت عن ذلك المؤتمر العلمي.
3. عندما نعد توصيات لأي مؤتمر علمي أو مهني وفي أي تخصص، يجب أن يكون مذيلاً بكل توصية آليات التنفيذ والجهات التي تكون مرشحة لتنفيذ كل توصية، وهذا الإجراء في بالغ الأهمية لأنه يلفت الانتباه للجهات التنفيذية ذات العلاقة بالموضوع. ويؤشر إلى تلك الجهات في مسؤوليتها الإدارية عن تلك التوصية.
4. التفكير ربما بمنتج بديل للتوصيات، يكون على شكل مشروع أو عمل أو مبادرة، وهذا ما عملنا عليه نحن في جامعة الملك خالد عندما نظم قسم الإعلام والاتصال مؤتمره الدولي الثاني عن الإعلام والإرهاب في ديسمبر الماضي، فقد صدر عن ذلك المؤتمر (الإعلان العالمي للإعلام والإرهاب)، مما جسد بوضوح نتائج ومخرجات نوعية عن ذلك المؤتمر.
وأخيراً أتمنى أن يباشر المهتمون والمختصون بتأسيس موقع إلكتروني يحمل عنوان (توصيات)، ويتم إيداع توصيات كل المؤتمرات التي حدثت أو تحدث أو ستحدث في مؤتمراتنا وندواتنا، وإيداعها هناك يجعلها أمام التاريخ ننتظر ما سيحدث لها من أثر علمي أو اجتماعي أو إداري.