د. جاسر الحربش
الرواية الأقرب إلى الحقيقة عن الحرب اللبنانية الأهلية عام 1975م تقول إن سببها قيام ميليشيات مسيحية مارونية بإطلاق النار على حافلة مدنية وقتل أكثر من ثلاثين فلسطينياًً في بيروت. أثناء تلك الحرب تحالفت فصائل مسيحية مع الإسرائيليين وفصائل فلسطينية مع حافظ الأسد وتحالف الدروز بذكائهم المعهود مع الأقوى في موقعهم الجغرافي، وكان هناك ناصريون وشيوعيون وميليشيات من كل لون. باختصار لم يبق أحد لم يتحزب وكان الخاسر الأكبر في تلك الحرب العرب السنة في لبنان لانعدام المرجعية والتنظيم. ما حدث بعد ذلك كان إعادة اصطفاف مذهبي وطائفي وما زالت طواحينه تدور.
في مقابلة بطريرك الطائفة المارونية في حديث العرب / سكاي نيوز قال بطرس الراعي كلاما ًكثيراً يستحق التفكير العميق، لأنه ربما يعني العودة إلى أصول التعايش التاريخية العربية - العربية الممتدة عبر القرون، بعد أن خسر الجميع كل شيء بسبب الأديان والمذاهب.
قال البطريرك: هناك تعطيل مخطط منذ زمن للحروب في المنطقة، تعطيل مخطط لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ولعودة اللاجئين رغم كل قرارات مجلس الأمن. يجب أن تستمر الحرب لتبرير وجود الدولة اليهودية بين العرب المسلمين والمسيحيين، هكذا كان التخطيط بزعم أن أهل البيت غير متفقين فيما بينهم.
وعن هجرة المسيحيين العرب إلى الغرب قال البطريرك: حيث توجد حرب توجد هجرة، والمهاجرون من المسلمين أكثر، والإرهاب تعدى عليهم أكثر مما تعدى على المسيحيين وقتل منهم أعدادا ً أكثر وهدم من المساجد أكثر من الكنائس. عشنا كعرب مع بعض ألف وأربع مائة عام وخلقنا ثقافة مشتركة، اغتنينا من بعض تجارة وثقافة وصناعة. نحن المسيحيين يعنينا أن نبقى هنا ونواصل مع المسلمين تاريخنا وثقافتنا المشتركة.
قال أيضاً: داعش ليس من الإسلام فهو يهدم التاريخ والأوطان والمكتبات وبيوت الله. لا أستطيع الحوار مع داعش على أنه مسلم، أحاور المسلم كإنسان وداعش ليس كذلك، وفي حديث لي في فرنسا قلت إن ما يهمني كلبناني أن أبقى مع أخي المسلم اللبناني أكثر مما أبقى مع صديقي الفرنسي المسيحي، لأنني مع هذا بنيت حضارة وثقافة ومع ذاك صداقة فقط.
التعليق: كانت فصائل مسيحية محسوبة على الموارنة هي التي أشعلت الحرب الأهلية في لبنان، واليوم تشتعل المنطقة العربية بكاملها وتتمزق الأوطان ويرمى بألف وأربع مائة عام من التعايش العربي - العربي في مزابل التاريخ. أول من أطلق الرصاصة الأولى على التعايش تحول الآن إلى أول من أدرك أهمية العودة إلى أصول التعايش التاريخي. في نهايات مقابلة حديث العرب قال البطريرك: العروبة هي التي تجمعنا كحضارة ألف وأربع مائة سنة، خلقنا حضارة مشتركة في كل شيء، أخذنا من بعض وأعطينا لبعض، وعندما فقدنا العروبة فقدنا السلام. هناك تخطيط قديم لما حدث.
السؤال الملح الآن: هل تعقب صحوات الأديان والمذاهب في الجغرافيا العربية صحوة واحدة تلم شمل الجميع؟.