د. خيرية السقاف
«خديجة» وحيدة على مقعد قهرها، وعجزها، وخلو وَفاض يديها من الحيلة تموت..
تموت الهاربة من الجحيم البشري للمرة الثالثة لكنها النهاية..
إذ ماتت بين يديه تعذيبا وقهرا مذ تزوجها..
وماتت هاربة للسقوط من علٍ بالشلل مرة أخرى وهو يساومها، يخيفها، ويهددها..
ماتت، وحيدة بقضيتها، غريبة في آلامها، معصوبة بحقها، مكبلة بشللها،
والدوار يلف برأسها الغض، والقهر يدك روحها البريئة..
ذنبها أنها تزوجت، ذنبها أنها صبرت، ذنبها أنها سترت، ذنبها أنها برأت لشرفها..
ماتت خديجة، وقد ضربها، ماتت خديجة وقد عذبها، ماتت خديجة وقد سجنها، ماتت خديجة وقد ظلمها..
في شقة النجاة الأولى ألقت بجسدها من الطابق الثالث لتشل قواها خلاصا من غسلينه، وناره،
وفي شقة الانتظار الأخيرة ودعت روحها جسدها المصاب، وقلبها المتعب..
كانت في الأولى تشفق عليه، تنتظر عودته بأحلامها الغضة، وآمالها الريانة ..
وفي الأخيرة كانت تنتظر من يطلق عن صدرها الجرح والألم، من يعيد لقلبها الأمان والحق، لمن يفزع للقانون، ولا تأخذه في الحق لومة، ولا تردد..
لكن هيهات.. وهيهات.. وهيهات!!..
فأحلامها في الأولى عُصفت في دوامة طغيانه، وضياعه، وانحداراته، وفشله، وأمراضه.. وبدل أن يكون الزوج الرفيق في الطريق يغرسان، ويحرثان، ويقطفان، كان الوحش الناهب لراحتها، واطمئنانها، من كعَّ سُمَّه، ومدَّ في أذاه..
وإن انتظارها في الثانية قد باء بالفشل، فلا حمية للظلم قد تحركت بين جوانب من عليه أن يفعل، ولا حقها الناصع قد وُضع في كفة ميزان عدل موجَب، ولا صوتها أعاد للغافل عن الإصغاء سمعَه..
ماتت خديجة، لكن لا تزال روحها معلقة في الرقاب..
فلعل من ينهض من أصحاب هذه الرقاب ليطلقها بالانتصار لروحها الغضة
روح «خديجة» التي ماتت من تعذيب زوجها الطليق!!..
***
وكم خديجة مرت، وكم خديجة يصدح أنينها في ردهات المحاكم، أو تختصره الجدران ولا يُسمع!
كم خديجة عرفناها، وخديجة لا نعرفها، وخديجة في متاهات صمت البيوت، وخديجة تنتظر قبل أن تموت..!!
***
رحمك الله صغيرتي «خديجة الظفيري» رحمة الأبرار،
وأكرم نزلك، وطيب وفادتك، وجعلك في جنات الفردوس طليقة، منعمة برضاه، ورحمته..
أعزي فيك أهلك، والديك، ومحبيكِ، وإخوانك، وأخص أختك الحزينة المكلومة التي رافقت آخر لحظات نبضك في الدنيا الفانية..