د. عبدالواحد الحميد
لا نحتاج إلى تقارير من شركات هندسية متخصصة كي نعرف أن صناعة البناء والتشييد في المملكة والمنطقة الخليجية تعاني من الفساد والغش. لكنَّ ما صدر عن شركة «كونستراكشن ويك» كان لافتاً عندما ذكرت أن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وبلدان الخليج بشكل خاص تعاني من «أعلى حالات الغش في صناعة البناء والتشييد وذلك بالمقارنة بأي منطقة أخرى من العالم»!
فما من مرة سقطت الأمطار إلا ورأينا بأعيننا كيف عجزت مشاريع إنشائية كبرى عن الصمود أمام المطر رغم أنها جديدة ولم يمر عليها وقتٌ طويل كي تتقادم.
ويمكن ضرب الكثير من الأمثلة، فهناك جامعات وملاعب ومبانٍ حكومية وأنفاق وطرق في مناطق مختلفة من المملكة لم تصمد إلا قليلاً أمام الأمطار التي هطلت هذا العام والأعوام السابقة.
وكلما سقط المطر، فتحت الصحافة ووسائل الإعلام ملف الفساد والغش وما تفعله بعض شركات المقاولات التي تتقاضى الملايين والمليارات من الريالات مقابل مشاريع إنشائية معطوبة لا نكتشف الخلل فيها من خلال تقارير أجهزة الرقابة والمتابعة في الحكومة، وإنما حين نتفاجأ بعجز تلك المشاريع عن الصمود لساعات قليلة أمام سحابة ماطرة لا تأتينا إلا في فترات متباعدة تمتد إلى أعوام!
والواقع أن الغش لا يقع فقط في المشروعات الإنشائية الحكومية، فبعض المقاولين يعتبر - فيما يبدو - أن الغش مباح وجائز بصرف النظر عما إذا كانت الحكومة هي مالكة المشروع الإنشائي أو كان القطاع الخاص أو الأفراد العاديون هم أصحاب المشروع.
وفي حالة الأفراد نستطيع أن نتخيَّل كيف تتم عمليات الغش، فالفرد العادي قد لا يملك الخبرة الفنية لاكتشاف الغش في التصميم أو المواد وقد لا يستطيع الحصول على استشارة هندسية مناسبة من مكتب هندسي جيد، لكن الغريب أن تتم عمليات الغش في الأجهزة الحكومية وهي التي تملك إدارات هندسية متخصصة تستطيع معرفة الأخطاء المتعمدة أو العفوية التي يرتكبها المقاولون أو الموردون أو المكاتب الهندسية، ولذلك فإن التفسير الوحيد لوقوع الغش وتمريره هو الفساد.
لا يمكن اقتلاع الفساد أو التخفيف منه إلا بتفعيل الأجهزة الرقابية الحكومية وهيئة مكافحة الفساد بشكلٍ أفضل، كما أن المواطن العادي بحاجة إلى الحماية من فوضى مؤسسات المقاولات التي يعشعش فيها المتسترون، والحماية لا بد أن تأتي من جهاز حكومي ذي اختصاص.
الغش في المشروعات الإنشائية حالة متفاقمة، ولا بد من إيقافها ومعاقبة المتسببين في استمرارها.