اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والقواسم المشتركة التي تلتقي عندها المملكة مع العراق، وما يجمع بينهما من روابط أخوية ومصالح متبادلة ومصير واحد بالإضافة إلى أن مهددات أمنهما تكاد تكون واحدة، كل هذه العوامل كفيلة بأن ترتفع بالطرفين فوق النزاعات الطائفية والخلافات الجانبية التي استغلتها القوى الاستعمارية والتنظيمات الإرهابية للإيقاع بين البلدين وزرع بذور الريبة والفرقة بينهما، رغم وحدة المرجعية المتمثلة في الدين واللغة والثقافة والتاريخ والانتماء القومي والخصائص الاجتماعية والاقتصادية التي يعيش في كنفها الجميع ضمن مكونات سكانية وتركيبة جغرافية تنتظم في بيئة دينية حددت العلاقة الجدلية الصحيحة بين المذاهب الدينية والتيارات السياسية والفرق بين مفهوم المعاصرة ومتغيراتها والأصالة وثوابتها على النحو الذي يدعو إلى الائتلاف والانسجام بدلاً من الاختلاف والاختصام.
والمملكة ترى أنه آن الأوان لكي يقيم العراق علاقات بناءة مع جواره الخليجي وأن يعود إلى منظومته العربية بعد أن ينأى بنفسه عن الهيمنة الإيرانية، حيث إن معظم المشكلات التي يعاني منها الشعب العراقي مصدرها إيران، ولا يمكن إيجاد حلول لها والتخلص منها إلا بتحجيم الدور الإيراني الذي تسبب في كل ما حل بالعراق والعراقيين من قتل وتهجير وخراب وتدمير نتيجة لتدخل إيران السافر في الشأن العراقي الذي ترتب عليه وجود التنظيمات الإرهابية ونشر لغة الكراهية والتحريض عن طريق إثارة الأحقاد والسخائم والدعوة إلى الطائفية والتعصب المذهبي الممقوت، ناهيك عن رعاية الإرهاب للتذرع بمكافحته بهدف توسيع النفوذ والهيمنة.
وابتعاد العراق عن إيران يعني الابتعاد عن سياسة المحاور واستعادة السيادة الوطنية، وتأدية الدور المطلوب منه في المعادلة العربية، والمملكة بهذا التوجه السياسي بقدر ما تحد من نفوذ إيران وتكسر احتكاره للساحة العراقية وتحاول إصلاح الواقع المفروض من قبله، فإنها تؤكد حرصها على وحدة العراق واستقراره ودوره العربي، كما أنها تقف على مسافة واحدة من المكونات العراقية مع طمأنة العراقيين والمكون السني تحديداً بأن الواقع المفروض من قبل إيران لن يستمر، والفراغ العربي المشغول إيرانياً وتركياً حان الوقت لوجود طرف عربي ثالث يشغله بعد أن كان غائباً أو مغيباً.
وموقف المملكة الجريء المنسجم مع المستجدات الإقليمية والدولية وبالتحديد تجاه ما يحدث في العراق واكبه موقف أمريكي، كما تزامن معه موقف تركي، وهذه المواقف تصب في صالح العراق وضد النظام الإيراني الذي تتسم مواقفه بالسلبية والفساد والإفساد في المنطقة مع الأخذ في الحسبان أن استغلال المواقف واقتناص الفرص سمة من سمات القيادة الناجحة، والسياسة إحدى الأدوات التي تتحكم في ذلك مع وجود خيط رفيع بين حالة الإرباك والإقناع التي تقتضيها حيثيات السياسة، وقوة السياسة يضمحل مفعولها في غياب سياسة القوة التي لا غنى عنها لتحقيق الأهداف السياسية التي لا مكان فيها للصدف.
وعلى الجانب الآخر فإن العراق يدرك أن مَنْ مصلحته تسوية الخلافات مع المملكة وبناء علاقات مميزة معها تقوم على أساس متين من الاحترام المتبادل وحسن التعامل والندية في إطار من المصداقية والنوايا الحسنة بصورة تخدم مصالح البلدين انطلاقاً من الأخوة في الدين واللغة والدم بعيداً عن سياسة المحاور والتربص.
والعراق وهو يتطلع إلى فتح آفاق التعاون في شتى المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية مع جوارها الخليجي فإنه ينتظر مساعدة الدول الخليجية له في التغلب على الانقسام الطائفي والوقوف معه ضد الإرهاب الذي يتطلب القضاء عليه مزيداً من التعاون المشترك على مختلف الأصعدة بما في ذلك دعم هذا البلد نحو إصلاح الواقع المفروض عليه بسبب التنظيمات الإرهابية والتدخلات الخارجية.
وحتى لا يكون هناك مجال للانتقام والتخاصم والانقسام المناطقي بعد انتهاء الحرب على الإرهاب، فإنه لا غنى عن تأهيل المناطق المدمرة وإعادة إعمارها، وهذا أمر لن يتحقق إلا بدعم المملكة ومعها دول مجلس التعاون الخليجي، مما يفرض على الجهة المدعومة والجهات الداعمة أن تضع الأمور في نصابها وتحسب لها حسابها على النحو الذي يكفل عودة العراق إلى عمقه العربي، ويُمكَّنه من المحافظة على استقراره ووحدة أراضيه، وفي الوقت نفسه يضمن ابتعاده عن النفوذ الإيراني واقترابه من جواره الخليجي ومحيطه العربي.
ورغم أن زيارة وزير خارجية المملكة إلى العراق لقيت ترحيباً وقبولاً حسناً من قبل المسؤولين العراقيين كما حظيت بارتياح منقطع النظير داخل الأوساط الإعلامية والشعبية، وكان لها صدى طيب في المحيط العربي إلا أن ثمة أطرافاً عراقية وغير عراقية لن يروق لها هذا التقارب وستذهب كل مذهب لعرقلته نزولاً عند رغبة إيران وتنفيذاً لأجنداتها، خاصة وأن تلك الأطراف لعبت دوراً كبيراً في الماضي، ولا تزال تمارس هذا الدور نحو إفساد العلاقات بين العراق وجواره الخليجي وعمقه العربي لصالح إيران، حيث وجد النظام الإيراني في هذه الأطراف ضالته لتحريك بواعث الفتنة في عدد من الدول العربية عن طريق تأجيج الطائفية وإثارة المذهبية وإحياء النزعة الانفصالية، جاعلاً منها ومن التشيع السياسي تقيّة يتستر خلفها وجسراً يعبر من خلاله لتنفيذ مشروعه الطائفي وتصدير ثورته على حساب أمن المنطقة العربية ومستقبل دولها.
ونظراً لأن الطائفية تعتبر إحدى المحركات المعنوية والمادية في الصراع في المنطقة الذي التقت فيه جرائم الإرهاب مع جرائم مكافحته، فقد دأبت المملكة على محاربة الطائفية وازدراء كل مَنْ يدعو إليها من غلاة الفرس ومَنْ شايعهم ودار في فلكهم، وإنكارها للظلم الذي يقع على أهل السنة والجماعة ووقوفها ضده لا يعني ذلك أنها تشجع الطائفية أو تدعوا إليها، كما أن المملكة من أول من اكتوى بنار الإرهاب وكافحه منذ ما يقارب عقدين من الزمن الأمر الذي يؤهلها إلى منازلة الإرهابيين والطائفيين دون أن يُنسب إليها شيئاً من أوزار آفة الأرهاب أو أدران خطيئة الطائفية في حين تعتبر إيران الراعي الأول للإرهاب والداعي الأول للطائفية.