فوزية الجار الله
بين الفترة والأخرى أشد رحال قلبي وعقلي إلى أقدس البقاع، حيث منبع الإيمان والهدى، أخطو إلى الضوء..
أرحل هناك ليس زهداً في الحياة وإنما أملاً بمزيد من الحب واستشرافاً لخير وفير يفيض على كل المؤمنين الأوفياء المخلصين حين يرفعون أكفهم إلى السماء، يلقون أعباء الحياة خلف ظهورهم ويرون باب الأمل مفتوحاً هناك، لا بأس ولا يأس طالما امتدت الأكف إلى السماء وتمتمت الشفاه بدعوات صادقة تناجي رب العالمين {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}..
في أواخر الصيف الماضي كنت أتحدث مع زميلة فاضلة من سوريا الشقيقة التي أنهكتها الحرب الجائرة، الزميلة تسكن اسطنبول حالياً حين ورد ذكر مكة نظرت إلي بمنتهى الحنين وهي ترجوني بأن أدعو لها ما استطعت بأن تكون من زوار البيت الحرام فهي تعاني منذ زمن سلسلة من العقبات والمشكلات تجعلها غير قادرة على زيارة البيت الحرام لأداء حج أو عمرة أو على أدنى تقدير أن تحظى ببضع ركعات بين يدي الكعبة الشريفة، حين تذكرت هذه المحادثة شعرت بفيض من الامتنان لما نتمتع به من أمان وتسهيلات لزيارة الديار المقدسة متى وكيفما نشاء.
البيت الحرام يفيض بالزوار رغم التوسعة المتتالية إلا أن أعدادهم الغفيرة كانت واضحة، كان ذلك في منتصف الشهر العربي الحالي «جمادى الآخرة».
أخذتني خطواتي إلى حيث أحد الحوانيت الجميلة، تأملت من خلف «الفترينة» ساعات ثمينة وبعض المجوهرات تذكرت ذلك الملياردير -رحمه الله- الذي قابل وجه ربه بعد اعتداء يد آثمة، تلك الجريمة المفجعة التي ضجت بها الأخبار ما بين الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، استعدت بذاكرتي صوراً صنعها خيالي لمقتل الملياردير، تذكرته وأنا أتأمل بريق الساعات الثمينة والمجوهرات، بالطبع لم يحدث أن قابلته أو تعرفت عليه شخصياً، كل ما أعلمه عنه، اسمه وسيرته وبضع أخبار تنشر عنه هنا وهناك، ثم تنتهي حياته خنقاً وغدراً، يُسرق ماله ويرحل القاتل هكذا وأن يحدث ذلك في بلاد الحرمين، كم يبدو ذلك تراجيديا غامضاً ومفجعاً.. ترى بماذا فكر لحظة اختناقه، أي صور وأطياف مرت بذاكرته ؟ هل صرخ بصوت عالٍ أم أنه لم يستطع ؟ هل حاول التوسل للقاتل كي لا يفعل ؟ هل تذكر الحقائب المعبأة بالوراق المالية، أي مشاعر حضرته في تلك اللحظة ؟ هل تمنى شيئاً؟ هل نطق بالشهادتين ؟ هل وهل ؟! حمداً لله أن تم كشف القاتل في وقت قياسي بفضل الله ثم بفضل رجال الأمن.
اللهم ارحمه واغفر له وثبت قلوب أهله وذويه، واللهم أحسن خاتمتنا وارحمنا برحمتك.