بالرغم من أننا نعيش العصر الرقمي والانفجار المعرفي وقد غزت بيوتنا ومكاتبنا وكل شؤون حياتنا الأجهزة الذكية ولكن لم تقتحم تعليمنا بالشكل المطلوب وبالتالي لم يستفد منها كما هو مأمول، فقد أدت التقانة الرقمية إلى تطورات جمة وواسعة في كل مناحي الحياة حيث أجهزة الحواسب والأجهزة المرتبطة بها والشبكات والإنترنت والهواتف الذكية وغيرها المفروض أن تؤدي إلى تغير جذري في العملية التعليمية وتكون مرتكزًا أساسيًا في أسس التعلم والتعليم لتتيح للمتعلم التفاعل النشط مع المنهج والمدرس وكل من له علاقة بالعملية التعليمية في أي وقت ومكان وظرف المتعلم وثمة أمور كثيرة توجب علينا البحث والتقصي عن واقع التعليم حاليًا الذي يشتكي المجتمع مما آل إليه من ضعف على كل المستويات بدءًا من البيئة المدرسية المترنحة التي تفتقد لأدنى متطلبات عوامل الجذب إلى المباني غير المدرسية وبخاصة المستأجر منها مثل عدم وجود ساحة تستوعب طلاب المدرسة لحرية الحركة وبالتالي لا يوجد بها ملاعب ليمارس الطلاب الأنشطة الرياضية المحببة لهم وبخاصة كرة القدم إِذ نرى الطلاب لا يتغيبون عن المدرسة في اليوم الذي فيه حصة بدنية وممارسة كرة القدم عامل جذب للطلاب إضافة إلى عدم وجود التجهيزات الإنشائية مثل المظلات التي تحميهم الحر وتقيهم البرد والألعاب الترفيهية وغرف الخدمات. مثل الفصول التي تفتقد لشيء اسمه فصل دراسي لا كما ولا كيفا وقد تجد في بعض الفصول اللوحات الفنية مثل صنابير المياه ومراوح الشفط وآثار المجلى ومواسير المياه المتوازيين لربما استعان بهما المعلم كوسيلة معينة لتعريف طلابه بالمستقيمين المتوازيين كل ذلك تجلى في مشهد بانورامي يتحف الناظرين.
أما بالنسبة للطالب الذي هو محور العملية التعليمية والمستهدف الرئيس لأنه وعد الزمن الآتي الذي تنتظره الأمة ليسهم في انتشال الأمة من رقدتها وغفلتها التي طال عليها الزمن عليه نلاحظ أن الطالب ما زال يحمل على ظهره أو في يديه حقيبة تنوء من حملها ظهور الكبار ولا يجد العوامل المحفزة الجاذبة فأساليب التدريس تتموضع حول نفسها منذ زمن بعيد وأصبحت من النظم البالية ومن الموروث الذي أصبح في متاحف التاريخ أضف إلى ذلك المعلم الذي يتحسر على الساعة التي انخرط فيها في سلك التعليم فانخرط عقله وهزل عوده وقلت قيمته وفقد هيبته وكثرت همومه في حياة تجعل الحليم حيران وتشظى بين مطالبها الأسرية والاجتماعية مما أفقده التركيز على مهنته هذا المعلم القديم الذي هو عصب العملية التعليمية كونه أصبح لديه خبرة قد يفيد بها غيره وبخاصة المعلم الجديد الذي يدلف التعليم خالي الوفاض من الخبرة التربوية والتعليمية والتقنية مثل طرائق التدريس الحديثة واستخدام وسائل التقنية أيضًا التي تجعل المتعلم متحفزًا باستمرار مقبلاً غير مدبر كما أن صغر عمر المعلم عامل على عدم نجاحه في بداية مشواره وبخاصة إذا عين للتدريس في المرحلة الثانوية لا يهابه الطلاب للفارق العمري البسيط بينه وبينهم إذا لم يمتلك شخصية قوية مدعومة بالقدرات التربوية مما يجعله لا يضبط الفصل ولا يقدم المعلومة بشكل صحيح التي تتطلب ثقافة معرفية بما وراء المعلومة في حال تعرضه لسؤال محرج والسؤا ل الذي يفرض نفسه اين الاستفادة من الأجهزة الرقمية التي نصطدم بها دون أن تهز شعورنا وعقولنا على المستوى الفردي والجمعي بل تلاحقنا في كل مكان ونحن ندير لها وجوهنا وكأن الأمر لا يعنينا.
وبعد ذلك تشتكي الجامعات من ضعف مخرجات التعليم العام وهذا الأخير يشتكي من ضعف مخرجات الجامعات وبدورها تقول: هذه بضاعتكم ردت إليكم ونبقى ندور في حلقة مفرغة وكما هو معلوم إذا نهض التعليم وارتقى نهضت الأمة وارتقت والعكس صحيح وطالما أن هذا حالنا سنبقى على حالنا هذا إذا ما انحدر مستوى التعليم أكثر وبالتالي هيهات هيهات أن تتغير أحوالنا وقد تنزلق الأمة إلى مصير لا يحمد عقباه فالبدار البدار من كل مسؤول ومهتم بنهضة الأمة أن يسرع لإصلاح منظومة التعليم في بلادنا على كل المستويات وما زلت أذكر عنوان كتاب (أمة في خطر) للأمريكي (ألان بلوم)الذي أصدره عندما سبق الاتحاد السوفيتي أمريكا في علم الفضاء في الستينيات من القرن الماضي وبين فيه أن السبب هو تخلف التعليم في أمريكا وقتها حيث أجبر الحكومة الأمريكية على مراجعة التعليم واستدركت الأسباب وتخطتها مما أدى إلى تفوق أمريكا في كل المناحي وسبقت الاتحاد السوفيتي في إنزال أول رائد فضاء على سطح القمر هل سنظل شاهدًا سلبيًا على واقعنا ونلهث لاقتناء ما هو جديد رقميًا دون الاستفادة منها وكأنها بضاعة استهلاكية؟
- الرياض