عند تخرجي من الثانوية العامة، كان العديد من أبناء جيلي يتسابقون للالتحاق بجامعة البترول والمعادن، وذلك لما لها وخريجيها من نظرة مختلفة عن بقية الجامعات في عين المجتمع. في ذلك الوقت، كان طموح خريجي الثانوية لا يخرج عن الالتحاق بكلية الطب أو الهندسة، أو الحصول على مقعد بجامعة البترول أيّاً كان التخصص..!!
في ذلك الحين ، لم أكن أعلم ما هو سر هذه النظرة المجتمعية للملتحقين بجامعة البترول والمعادن ولخريجيها من الطلاب. إلا أنه الآن وبعد مخالطتي للعديد من خريجي الجامعة، بدأت أتلمس بعض أسباب تلك النظرة. فقد لاحظت أنّ غالبيتهم من الناجحين، ولديهم عقول أكثر تفتحاً، تحب النقاش وتهوى النقد وميالة للقراءة. كما وجدتهم حريصين على التعلم والابتكار والمبادرة، ليكونوا بذلك مختلفين عن شريحة كبيرة من خريجي الجامعات الأخرى.
لطالما تساءلت لماذا هم مختلفون بالرغم من كونهم أبناء من نفس المجتمع؟! فهم لم يكونوا مختلفين عن الباقين كثيراً، وليسو وحدهم من كانوا متميزين في مراحل التعليم العام، فثمة متميزون كُثر التحقوا بجامعات أخرى، تميزوا وتخرجوا بأعلى الدرجات، لكن مع ذلك لم يكن لهم نصيب من تلك الصفات..!!
توارد إلى ذهني العديد من العوامل التي قد تكون سبباً لذلك ، إلا أنني وجدت عاملاً بظني قد يكون الأقوى تأثيراً، ألا وهو البيئة التعليمية التي تتوفر في جامعة البترول والمعادن دون غيرها من الجامعات. تلك البيئة التي لا تعتمد على التلقين، بل التركيز على تعليم الطالب مهارات التعلم..!!
أشارت العديد من الدراسات إلى عدم جدوى التعليم بالتلقين أو (Spoon-feeding Education) لطالب الجامعة، حيث إن هذا النوع من التعليم قد يقتل في الطالب مهارة التعلم الذاتي والبحث عن المعلومة، مما يعني أن الطالب قد يتوقف تعليمه فور تخرجه من الجامعة..!! كذلك يعاب على هذا النوع من التعليم بأنه قد يحجم من قدرة الطالب على الابتكار والمبادرة وإيجاد الحلول لما قد يطرأ من مشكلات.
الجدير بالذكر، أن هذه الميزات -التي يغيبها التعليم بالتلقين- تعتبر من أسس المفاضلة في القطاع الخاص بين متقدم وآخر. لذا فإن الاهتمام بها وتنميتها قد يزيد من فرص الطالب الوظيفية مستقبلاً! ليس هذا فحسب، بل قد يخلق لنا جيلاً إيجابياً قادراً على تحمل المسؤولية، ليساهم بفاعلية في التنمية الوطنية، إلا أن ذلك لا يتأتى دون اعتماد منهجية تعليمية تحقق هذه الأهداف، منهجية كتلك التي تنتهجها جامعة البترول والمعادن والعديد من جامعات الدول المتقدمة، والتي تتمحور حول الطالب (Student-Centred Learning).
أرى أنه حريٌّ بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات اعتماد هذا الأسلوب في التدريس، والذي يجعل من الطالب شريكاً في عملية التعلم. فمن الأمثلة التي ضربتها بعض الدراسات في هذا الصدد، هو التعليم عن طريق طرح الأسئلة المفتوحة مع ترك المجال مفتوحاً للنقاش، كذلك اعتماد أسلوب دراسة الحالات من الواقع وربطها بما تم شرحه نظرياً (Case study)، ومنها أيضاً تخصيص حلقات دراسية يقودها الطلاب لمناقشة مواضيع متعلقة بالمنهج الدراسي (Seminar).
باعتماد هذه الأساليب التعليمية قد نستطيع إعداد جيل قادر على العطاء بالشكل الذي يحقق رؤية المملكة 2030 حول الاعتماد على تنمية الموارد البشرية في النهوض بالوطن واقتصاده.
أكاديمي - جامعة جدة