د. خيرية السقاف
تمر البنية الداخلية لهذه البلاد العظيمة بخطط إصلاحية واسعة, وشاملة, هدفها إصلاح جميع ما يعتري مؤسسات المجتمع وأبنيته المختلفة من نقص، أو خلل, أو غياب, أو فشل. هذه الخطط الإصلاحية أخذت في التنفيذ الحيوي الجاد, تشمل, وتعم كل شأنٍ شأنُه الأمن, والسلامة, والصحة, والإنفاق, والبنى التحتية, والقضاء, والحقوق الخاصة, والعامة, والتعليم, والاجتماعي, والاقتصادي بما فيه دخل الفرد, والإنفاق, وكل ما خصته رؤية الإصلاح, لإعادة البناء..
من ضمن هذه الإصلاحات جاءت الحملة الأخيرة لوزارة الداخلية تحت شعار «وطن بلا مخالف», ونقف هنا عند دور المواطنين جميعهم من عليهم تشمير ساعديهم, وشحذ أبصارهم, حيث يكونون, يعملون, أو يشاركون, أو يستقلون في بيوتهم بحاجاتهم, وفي مؤسساتهم من التجار, والمقاولين, والبنائين, والصناع, وربات البيوت, حين هذه الفئات هي الأكثر استخداما للوافد زهيد التكلفة, قريب التناول, المتسبب, المطواع بحاجته لتسخيره في حاجاتهم, فنجدهم في محال الخياطة, والسباكة, والبناء, والكهرباء, والنجارة, وخدمة البيوت, والسياقة, والبيع والشراء,.. وقد تمادوا.. وتمادوا في هذا الاستهلاك, بل الاستهتار..
وكانت حملة التصحيح التي بدأتها وزارة التجارة منذ البدء في محلات بيع «الجوالات», وإصلاحها أول خطوات التصحيح, إذ ضرب حينها الدكتور «توفيق الربيعة» المثال على جدية التنفيذ في شأن التصحيح..
لكن بقيت البيوت تستهلك العمالة الوافدة بتأشيرات الحج, والعمرة, أو الزيارة, أو الذين تتخلص منهم المؤسسات التجارية ممن يهيمون على وجوههم يبحثون عن عمل فيتلقونهم في بيوتهم متهاونين عن نظامية بقاء هؤلاء في البلاد..
وبمقارنة بالحاجة الطارئة, يسكت عن الواجب الوطني الملح كل من يتعامل مع هؤلاء غير النظاميين في الإقامة, حتى تكاثر وتعاهد الناس على هروب العاملات, والسائقين من كفلائهم, أو ممن يستخدمونهم للبحث عن سعر أعلى لدخلهم, وتحول سوق الطلب «للخادمات», و»الطباخات» في البيوت إلى سوق سوداء, من يدفع أكثر يجد بسرعة طلبه..
الآن في حملة «وطن بلا مخالف» تم تحديد فئات المخالفين وهي أربع تشمل (من ليس لديه وثيقة إقامة تثبت هويته, وكل من لديه وقد انتهت صلاحيتها ولم يتم تجديدها, وكل من يخالف نظام الإقامة والعمل ممن كان دخوله للحج, والعمرة, أو الزيارة وتخلف عنها, وكل من حج دون تصريح)..
وهؤلاء عبء حين يكون بقاؤهم في الوطن غير نظامي, وهو بقاء لا ينم عن صدق الوافد, ولا صدق المواطن المتعامل معه, وهو يعلم بمخالفته, حين يكون الصدق أول بوابات التطهير, ومسطرة الاستقامة..
أعلم أن سيدات البيوت ممن لديهن مسؤوليات تنوء بحملها كواهل المرء, والوقت, والحاجة يضطررن لهذا, في مقابل عدم توفر اليد العاملة المواطنة التي تسد حاجات البيوت, وأيضا في ضوء تكاليف الاستقدام, لكن تبقى عليهن هن مسؤولية مكافحة التعامل مع غير النظاميات من الوافدات, مهما تعظمت الحاجة, إذ في ضوء نشوء نظام الشركات المختصة بالعمالة المنزلية التي أقرَّ لها أن توفر تقديم الخدمات المنزلية لربات البيوت قد وضعت النقاط على الحروف في شأن مكافحة المخالفين, هذه الشركات الخدمية إن لم تعم جميع مدن البلاد بعد، إلا أنها في سبيل ذلك, وهذا هو الوقت للمرور بمحكات الموِاطنَة الحقة, وتكافل الجميع نحو تنفيذ خطط الإصلاح العام, والحفاظ على أمن المجتمع..
إن حملة «وطن بلا مخالف» هي مسؤوليتي, ومسؤوليتك, ومسؤولية كل من يستنشق في الصباح شهيق هواء بيته, ويلمس بيده بطاقة هويته, يحملها ويمضي في طرقات الوطن آمنا في ظل كنفه..
لئلا نجعل من بيوتنا, ومواقع أعمالنا مأوى غير نظامي, وإن تعاظمت حاجتنا لأحدهم، أو نسلم أمورنا لمن لا يحمل إقامة سارية, أو يخضع لنظام العمل في البلاد ما كانت مهارته, وعلا سقف خلقه, لئلا يخيم الظلام على مخابئنا, ونكون عضيدين للوطن.. فأمنه أمننا, وراحته راحتنا, ونظامه حمايتنا, وطهره نحن من يبلج بياضه..
وليذهبوا آمنين, وليعودوا نظاميين إن شئنا عودة أي منهم, فعلى الرحب والسعة في ضوء النظام الآمن..