عبده الأسمري
في تركيبة الحياة تظل هنالك معادلة بين الإنسان وبين القول والفعل لا تنفصل أبدًا.. وفي علم النفس يرتبط الفكر بالقول والفعل معا أو بأحدها وفق ما تتطلبه مهام الحياة.. وهنا أود الربط بين حجم ما سمعناه وما قرأناه ولا نزال من «تصريحات» المسؤولين لدينا التي اكتشفنا بعد سنوات أنها لم تكن سوى جزء من حيلة «التنظير» وهي أسهل طريقة للخروج من الإدانة أو الاتهام وأسرع وسيلة لمنازلة صعاب المسؤوليات ليس هذا فحسب بل إنها كشفت لنا الوجه الآخر لشخصيات كانت كلماتها «التنظيرية» مشاريع لبراويز وهمية كانت تستر إطاراتها وظلت حيلًا مررت على الآخرين من باب «الكلمات المجانية» والمنابر المؤقتة والمناسبات المبرمجة.
أود القول وبكل شفافية إننا لم نرَ وزيرا واحدا يتحرك للأحياء وللمواطنين سرا أو أن تدفعه أمانته للشخوص على مكامن خلل دون كارثة وقعت. والمصيبة الأكبر أننا نسمع الكلام الذي أراه تنظيرا لا فائدة منه.
سأستعرض أمثلة تعبر غيضاً من فيض من التنظير أولها.. سئمنا من التنظير الذي جعل قضية الإسكان أكبر معضلة تنموية ظلت لغزًا محيرًا طيلة ثلاثة عقود فيما بلدان بجوارنا وجدت حلولها ميدانيًا بينما مساحتها لا تتجاوز مدننا لدينا ولكننا نظل نتبع «التنظير» مرة عن عقود مع الشركات وتارة دراسة للمخططات ومرات شراكات مع البنوك في شكل تصريحات تكتنفها «الضبابية» والأجواء الهلامية التي لا تسر ولا تنبئ بأي خير.
طال التنظير ملفات عدة.. وكانت التجربة فيها من المعجزات والفعل فيها ممنوع من الصرف.. كثير ممن نادوا بأحقية المعاقين والمعاقات وأنهم الأقرب والأولى والأهم في المتطلبات بينما لا يجدون عربة أو أبسط خدمة في القطاعات الحكومية بل إنهم إلا بعد والأكثر تجاهلا في التوظيف والاهتمام والدلائل في ذلك كثيرة وهي تجربة وحقيقة أنهم مهملون فلم يكن الكلام عن مستقبلهم واهتماماتهم إلا جزء من التنظير لكي يصدقوا مؤقتا ويفرحون قليلا ثم يكتشفون اللعبة المحبوكة من التنظير المجاني كي يملأ المسؤولون (المنظرون) ملفات إداراتهم الصحفية بإنجازات الوهم.
يقول «المنظرون» إن الخطط مستمرة للسعودة والقضاء على البطالة وإن أردنا اكتشاف كذب «التنظير» وسهولته فلننظر فقط بالبحث عن حجم التصريحات في هذا الجانب أما التجربة ومعرفة النتيجة فهي سهلة جدا فقط لنذهب إلى «حلقات محلات الخضار» و»مراكز بيع الجوالات» و»محلات الذهب» لنلمس الوهم من أرض الحدث.
كثيرة هي حيل «التنظير» ونادرة هي الأفعال المترتبة عليها والدليل أن المنظرون لا يزالون يمارسون ذلك يوميا على منصات المناسبات وفي كل الظواهر ومع كل حادثة أو أخطاء أو فساد..
فالتنظير اليومي يملأ شاشات التلفزة وصفحات الجرائد في وقت لا يعير المنظرون عواقب المساءلة لأنها موجهة إلى مواطنين ستنطلي عليهم حيلة موجات تنظير أخرى في تصريحات عنوانها التسويف وتفاصيلها المؤجلات والمستقبل المجهول.
وعود براقة من يراها ويراقب مستويات المعاناة يجزم أن مسلمات الأمانة والمنصب تستلزم الوفاء بالوعود.. ولكن الحقيقة المرة أنها «تنظير» لإبراز الذات وتغطية النقص وإسقاط وتبرير وإعلاء وغيرها من الحيل الدفاعية التي تخالف السواء وتعارض المنطق..
التنظير مستمر وكل عام وهم يزيدون.. وأتمنى من كل «منظر» يقرأ هذا المقال أن لا تأخذه العزة بالإثم وأن يضع نفسه في خانته الصحيحة هل هو من «المنظرين» فإن كان كذلك فعليه أن يستحي وأن يخجل فيما بقى فقد سئمنا «التنظير» ومللنا «الكلام المكرر» فأما أن يغير منهجيته في عمله ويتقي ربه وإما أن يترجل عن كرسي المسؤولية.