د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
استهجن المواطنون تعدِّي مجموعة شباب يركبون الدراجات النارية على رجل أمن في كورنيش جدة قبل أيَّام. ولم تكن هذه الحادثة الأولى وربما لن تكون الأخيرة، فالأمر لا يتوقف على حادثة مثل هذه بل يتجاوزها لما هو أهم وأعمق؟ وتشكل حوادث كهذه أجراس إنذار تقرع للجهات الرسمية تطلب منها التعامل بجدية وروية، وإلا تفاقم الوضع مع مرور الوقت كلما اشتدت الأزمات الاقتصادية والسياسية. وسبق وحذر كثير من علماء الاجتماع من عوامل اختلال التركيبة السكانية الخليجية نتيجة للهجرة المستمرة والمملكة ليست استثناء.
وكانت المملكة منذ تأسيسها، بل وربما قبل ذلك، منطقة جاذبة للهجرة بكافة أنواعها خصوصاً لأسباب دينية، وتعد اليوم بحق مجتمعاً مسلماً متعدد الثقافات والأعراق.
فقد هاجر للمملكة كثير من المسلمين هرباً من الاضطهاد الديني، وانصهر الجميع في المجتمع السعودي وأنتجوا ثقافة مشتركة متنوعة تشكل في مجملها خصوصية المجتمع السعودي.
وأسهم السعوديون من الخلفيات الاثنية المتنوعة في إثراء الثقافة السعودية وتنوعها الحضاري، ولكن ما يستجد اليوم في مجتمعنا مختلف جداً ويستحق الدراسة والتعامل بحذر ومسؤولية.
فقد ازدادت جاذبية المملكة للهجرة في العقود الأخيرة لأسباب في مجملها اقتصادية وهذا ما يشهد به تكوينها الديموغرافي اليوم، حيث إن نصف مجموعها السكاني اليوم من المقيمين من العمالة الأجنبية الوافدة، يضاف لهم مؤخراً لاجئين عرب من بلدان مجاورة لأسباب الحروب.
وقد أجمع المهتمون بقضايا الهجرة عالمياً على أن استقدام العمالة لأسباب اقتصادية يأخذ المقام الأول في أسباب الهجرة في عالم اليوم، بينما يشكل اللاجئون المكون الثاني.
فعندما نستقدم عمالة وافدة لمدد طويلة علينا أن نتوقع بعض الأعراض الجانبية الديموغرافية التي تعرضت لها دول سبقتنا في هذه المجال.
لا تقتصر مشاكل الهجرة والعمالة على الأزمات الاقتصادية ونقص الفرص الوظيفية فقط بل لها جوانب ثقافية وحضارية وسكانية أيضاً. وهي ليست حصراً على مجتمع دون آخر بل هي اليوم ظاهرة كونية لها سمات معينة مشتركة. فالعمالة الوافدة، بحسب غربتها ووضعها الاقتصادي والاجتماعي، تتجمع في أحياء بعينها. وعادة ما تكون هذه الأحياء على أطراف المدن أو في أحيائها الرخيصة في الوسط. فتنمو هذه الأحياء وتتعمق جوانبها الثقافية، وتتكثف حركتها التجارية الخاصة بها مع تكاثر سكانها. فتظهر أحياء هامشية مغلقة مطبوعة بطابع ثقافة بلدان الوافدين الأصلية. وتتحول هذه الأحياء تدريجيا إلى مجتمعات صغيرة داخل المجتمع المستضيف.
وبينما تجد الأجيال الأولى من الوافدين صعوبة في التكيف مع المجتمع المستضيف بسبب اللغة والعادات فتعيش على هامشه، يختلف الوضع مع أجيالها اللاحقة التي تكون أكثر قدرة وجراءة على الاندماج والتأقلم بسبب اكتسابهم المباشر للغة المجتمع وعاداته، فيتحولون تدريجياً لجيل هجين الثقافة.
وتدريجياً يبدؤون برفض وضع أسرها الهامشي في المجتمع، وهم لا يعرفون مجتمعاتهم الأم ليعودوا لها. بينما يستمر تصور المجتمع المستضيف على أنهم أجيال وافدة ستعود لديارها يوما ما، مع أنا هذا يستحيل مع مرور الزمن.
تنظر هذه الأجيال لنفسها تدريجياً على أنها ذات حقوق أصيلة في المجتمع المستضيف بحكم الولادة واللغة، ولذا تدخل في صراع معه لعدة أسباب منها أن المجتمع يستمر في النظر لها كعناصر دخيلة ولا يرى حقاً لها في العمل ولا يمنحها تصاريح إقامة أو عمل تسمح لها بالاندماج، ولأنها غالباً ما تكون متدنية التعليم والتدريب ولذا تشكل ثقافة هامشية تميل للعنف والاستعراض ويسهل استدراجها من قبل طبقات المجتمع السفلي في الاتجار بالممنوعات، والجريمة.
وبدافع اليأس أو ربما الحاجة، خاصة في ظل الطابع الاستهلاكي للمجتمع، يميل بعضهم لارتكاب الجريمة خصوصاً السرقة والسطو. ويشابه هذا الوضع وضع أجيال المسلمين في فرنسا، والأتراك في ألمانيا، والمكسيكيين في أمريكا.
ولذا علينا معالجة هذا الوضع بجدية في أسرع وقت، فمثل هذه التجمعات السكانية الهامشية توجد في كافة مدننا تقريباً، بل وأصبحت تنتشر في القرى والأرياف.
ولا يعني التعامل بجدية مع هذا الأمر الإساءة لهذه الجاليات بل تسوية أوضاعها إما بترحيل من يرغب أو منحهم وضعا مدنيا يسمح لهم بالتعليم والعمل. فنحن في المحصلة النهائية من استوفدهم، وهم غالباً إخوة لنا مسلمون أو عرب يلزمنا تقاسم العيش معهم، والقبول بأن مجتمعاتنا تغيرت وأصبحت كوزمزبوليتية.
ولكن الأهم هو الوقف التام لاستقدام المزيد والاكتفاء بتشغيل الموجودين من الجيل الثاني من العمالة.
فلو استمررنا في سياستنا الحالية بالاستقدام المكثف ربما عانينا من مزيد من الاختلالات والأخطار الاجتماعية، لأن بعض التجمعات السكانية الهامشية تشكل قنابل موقوتة.