إن الوعي بالتراث وإحيائه لا يعني تقليده ولا أن نعود بحاضرنا ومستقبلنا، ونصبهما في قوالب الأمس، ولكنه يعني أن نبصر جذور غدنا، الذي نريده مشرقاً في الصفحات المشرقة في التراث، وأن نجعل منه زاداً طيباً وروحاً تفعل فعلها في يومنا وغدنا، ليصبح بذلك تراثنا روحاً سارية في ضمير الأمة وعقلها، يصل مراحل تاريخها ويدفع مسيرة تطوّرها خطوات وخطوات إلى الأمام، لأن التراث طاقة فاعلة وفعالة، وليس «ركاماً» أو «أكفان موتى» كما يحسبه ويريده الكثيرون.
لذلك نجد أن محافظة الدلم كبقية محافظات المملكة تفخر بتراثها العريق والمصنف من الهيئة العليا للسياحة والتراث الوطني، وأن أبناءها يعدون من النماذج الرائعة والفريدة في بلادنا، إذ تشهد لهم جهودهم بعشق التراث والاهتمام به وتطويره ونشر ثقافته، كمسؤولية ثقافية ومجتمعية ووطنية، حيث يجد الزائر للمحافظة العديد من المتاحف النموذجية (الشخصية)، التي قلما توجد في غيرها بهذا الكم والاهتمام الشخصي؛ ففيها يوجد متحف علي بن عمر الصبران، ومتحف إبراهيم بن شاهين (يرحمه الله)؛ وهما أيضا مرخصان من هيئة السياحة والتراث، ومتحف محمد بن سعد بن عون، ومتحف سعد بن عسكر العسكر، ومتحف عبدالعزيز بن ناصر المسعود، ومتحف ياسر الجمعة ومتحف الدكتور عبدالعزيز الشعيل وغيرهم كثير، مما يدل على أن الدلم مدينة تراث ومتاحف، وأن أبناءها من أصحاب هذه المتاحف يستحقون كل دعم وتشجيع وتكريم من الجهات الرسمية والشعبية؛ وخاصة من الهيئة العليا للسياحة والتراث ومن رجال المال والأعمال.
أرى أن وجود مظلة ينطوي تحتها هواة التراث الشعبي في محافظة الدلم، وتساعدهم ماديا ومعنويا، وتوفر كافة الإمكانيات اللازمة للاستمرار في ممارسة المهتمين بالتراث، ستشجع على المزيد من العناية بالتراث ونشر ثقافته ومساعدة محبيه ورواده وستجعل من محافظة الدلم وجهة للسواح والوفود والزوار من داخلها وخارجها، وستكون هذه المظلة أحد أبرز معالم المدينة، وخاصة لو منحت لكل شخص مساحة مكانية محددة حسب ما لديه من أنشطة ومقتنيات.
ولا شك أن وجود (مركز حضاري يضم المكتبة العامة ومتحفاً للتراث الشعبي والصناعات اليدوية والأسر المنتجة وقاعة للاحتفالات والمحاضرات والندوات وأماكن للضيافة واستقبال زوار وضيوف المحافظة) يلتقي فيه أبناء المحافظة من مثقفين وعشاق تراث وغيرهم، يعد من المطالب الملحة، لأنه سيدفع -حتما- إلى المزيد من الاهتمام بالثقافة والتراث والصناعات اليدوية وغيرها من الفعاليات المختلفة، التي ستمثل بإذن الله رافدا من الروافد السياحية المتنوعة في المحافظة. ولعل ترقيتها لمحافظة يجعل بذلك كمرحلة أولى من مراحل التطوير المأمولة. وإن غداً لناظره قريب؛ في ظل عهد خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وولي ولي العهد، في عهد ملك الحزم والعزم والتطوير والرؤية الطموحة.