عبدالعزيز بن سعود المتعب
يخوض الكثيرون في مجال علم النفس وعلم الاجتماع للاستشهاد بما يضيفونه على (نقدهم الانطباعي) حيناً ومرئياتهم الأدبية حيناً آخر في أطروحاتهم فيما يخص القصيدة وتحديداً لغة التأثر والتأثير، وإن كانوا محقين بشكل نسبي ولكن ليس بشكل مطلق، بدليل أن هناك شعراء ليس لهم صلة البتة برغد العيش بل شظفه وخشونته منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام في العصر الجاهلي، مثل أحد شعراء المعلقات السبع الشاعر طرفة بن العبد ومع هذا يتغزل بلغة مخملية رقيقة:
وَوَجْهٍ كأنّ الشَمس ألقَتْ رِداءها
عَلَيْهِ نقيّ اللّوْنِ لمْ يَتَخَدّدِ
يقول: وتبسم عن وجه كأن الشمس كسته ضياءها وجمالها، فاستعار لضياء الشمس اسم الرداء، ثم ذكر أن وجهها نقي اللون غير متشنج متغضن، وصف وجهها بكمال الضياء والنقاء والنضارة، كذلك في الشعر الشعبي شعراء لم ترتبط نشأتهم أو حياتهم بالترف، ومع هذا هم من أرق الشعراء مثل الشاعر الدجيما (دخيل الله بن مرضي الدجيما العضياني العتيبي -رحمه الله-) الذي يقول:
يا جر قلبي جر لدن الغصوني
وغصون سدرِ جرّها السيل جرا
وكذلك ينسحب الحال على الشاعر سليمان بن شريم -رحمه الله- القائل:
وحياةٍ ربٍ كمله بالجمالي
من مفرق الهامة إلى حد ما طاه
إنه منوّل وامس واليوم غالي
واتلى زمانه بالغلا مثل مبداه
(ما له حَلِي إلاَّ مودة عيالي
أصغر عيالي بالغلا كنّه إياه)
وفي المقابل هناك شعراء مترفون عبر التاريخ لم يكن شعرهم برقة بيئتهم إذا ما استثنينا قلة أبرزهم يزيد بن معاوية القائل:
واستمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
ورداً وعضت على العناب بالبرد
وبالتالي فإن تعميم التأثر والتأثير بين الشعراء وقصائدهم في الشظف والترف غير دقيق.