د. خيرية السقاف
آخر لحظات قبل أن يغلق «معرض الكتاب» بوابتيه الشمالية, والجنوبية ثمة دافع قوي توثبت به الأقدام, التجمعات الكثيفة عند مدخليهما, وكأن أحداً لا يرغب في الخروج, وأعين الناشرين تجول بين الوافدين تتلهف, ولسان حال ما رؤوس حامليها ينادي: تعالوا استزيدوا, فغداً هنا لن نكون!!..
آخر اللحظات ولا تزال شاشات التحقق من الكتب, ومواقعها في ممرات المعرض الكبير يقف أمامها العشرات..
كنت أتجول هنا, ودوماً ما أميل لمشاهدة هذه اللحظات الأخيرة في المعرض, فأول أيامه يكون السباق لأول النسخ من المقتنيات, وآخر لحظاته يكون التفكُّر في الحاجة لما بقي, ولم تلتقطه عند الجادين حاجة الاقتناء, أو عند غيرهم شهوة الاتباع ..
إذ حتى الكتب دخلت تحت قوائم المنافسة, والتظاهرة, والادعاء..
وحين يجلسون إليها فلا كل الروايات, والقصص, والمضامين البراقة, الفسفورية, والجدارية, والمبتكرة ذات بال, ولا الغالب فيها سمينا سيثري, ولا أصيلا سينبِت !!..
فكتب كثيرة تشابه الوجبة السريعة عالية السعرات, مغموسة في الدهون, وبال على الصحة..
ومنذ يوم المعرض الأول الواثقون من غاياتهم يمشون الهوينى بعقول تستقر بوعي, اميَلَ بكفة الميزان نحو مضامين مستديمة الوضاءة, ممتدة الإنبات, أكيدة الإثمار, وهم في التظاهرة وحدهم لا يركضون, يأتون وقد عرفوا المكان الذي يقصدون, والمراد ممن يقتنون, يلتقطون ما يبقى لقاحاً للجذور, لا ما يتلاشى كفقاعة صابون,..!!
إلا الصغار يحلو لهم أن يفعلوا في حفلة الفقاعات المتطايرة..
في اللحظات الأخيرة, يزداد الركض, ويعم التداخل, وكأن الفرن يوشك أن ينطفئ, والأرغفة تنحسر أعدادها في كفة الفران !!..
في اللحظة الأخيرة, والمعرض يعلن آخر ثوانيه ليغلق عنهم بوابتيه ..
نصف مليون زائر, وأكثر من سبعين مليونَ ريالٍ حصيلة عشرة أيام !!
إذن نحن قراء, وقراء ينبغي أن نكون على أعلى مستويات مسطرة التقييم !!..
وعليه فنحن مثقفون, وعارفون, ومتعلمون, وعلماء, ومفكرون, بل ذوَّاقون لفنون الفكر, والإبداع, والمعرفة, والفكر, ضمن ما يهدف إليه المعرض, وما يقدّمه,
فمؤونته الكتاب, وما أعظم الكتاب, وما أبعد ما تكون تعريفاته قيمة, ومفهوما..
وغرضه البيع, والشراء, وتجارته رابحة في الكفتين كما تقول الخطة, ويستلهم حدثه السنوي ..!!
وهو ليس للتظاهرة والترفيه, ولا لهدر المال والوقت, ولا لدك الكتوف, وضرب الصدور ونحن هنا, ونحن حاضرون, ونحن هنا نحن قارئون..
الحصيلة إذن ماذا بعد هذا العدد الكبير لأقدام تركت أثر دعسها في أرضه, ولقائمة حصيلته من ريالات نزلت في صناديقه..؟!
ماذا بعد أن أغلق أبوابه, وفضَّ كلُّ واحد عمّا أخذ منه في حاوياته..؟
صبيحة أمس الأحد, هناك حيث الطريق إليه لم يكد يبين لون سكتها, حيث كانت العربات يدك فيها الحديدُ الحديدَ, حيث كانت الطوابير لا تحتمل الانتظار فيها قدماك, حيث كنت تأتي وجيبك عامر, وتعود منه وقد فرغ, وقد داهمك الجهد من التجول والأحمال.. هناك, عاد كل شيء لطبيعته, واتخذت الطريق مسلكها, عم الهدوء في توجس لانتظار الغبار, والمطر!!......
* * *
تحية تقدير لكل من أعطى فيه واجتهد, وبذل وتفانى.