يوسف المحيميد
كتبت مرارًا في هذه الزاوية أن أكثر ما يعاني منه الاقتصاد الوطني، وأكثر ما يدمر طموح المواطن في منافسة تجارية عادلة هو التستر التجاري، الذي يطلق السوق بأيدي عمالة وافدة هاربة من كفلائها، بالذات في قطاعي المقاولات والتجزئة، وهما قطاعان ضخمان مؤثران على الاقتصاد، فمعالجتهما بجدية ورقابة صارمة وعقوبات كبيرة، ستعيد الأمور إلى نصابها، وتحفظ مليارات الريالات المحولة بغير حق إلى خارج البلاد من هذه العمالة المتستر عليها.
صحيح أن مبادرة وزارة التجارة والاستثمار في برنامج التحول الوطني من خلال (البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري) جاءت في وقت مناسب، واعترفت بالتحديات، بوجود التستر فيما يقارب 200 ألف منشأة، ونحو 86 ألف عامل متستر عليه في قطاع المقاولات، وكذلك 84 ألف في قطاع التجزئة، مما أسهم في انخفاض التوطين في هذه القطاعات، وتهريب أموال غير مستحقة إلى الخارج... لكنها تحتاج إلى عمل جاد ودؤوب، والعمل بمسؤولية وطنية، للقضاء على هذه المشكلة الموجعة.
كنت، ومعي كثير من المواطنين، تمنيت أن تبحث وزارة التجارة والاستثمار مع وزارة العمل، عن الإجابة على سؤال ضخم ومهم، وهو: من أين تأتي العمالة المتستر عليها؟.. هل جاءت من استقدام نظامي؟ أم من هشاشة نظام العمل والعمال، وأنظمة التجارة، مما جعل هؤلاء يمارسون مهنًا ليست تخصهم، ويتسربون من مؤسساتهم من غير معرفة كفلائهم، أو الإذن منهم، أو نقلهم بطريقة نظامية.
كل أحلامنا النظرية لن تتحقق ما لم نضع القوانين ونطبقها، ونتحد جميعًا في محاربة (مافيا منفلتة) تنهش اقتصاد الوطن، جنسيات متنوعة تقاسمت رغيف هذه البلاد بطرق غير نظامية، كل جنسية تخصصت في اختطاف قطاع محدد، الزراعة لها جنسيتها، البقالات الكبيرة على الخطوط السريعة، المواشي، توزيع البضائع على البقالات بسيارات (الفان)، الدواجن، محال (أبو ريالين)، الملابس... إلى آخره.
على هذه المبادرة ملاحقة جميع العمالة المتسربة، التي تعمل بطريقة غير نظامية، وعلى المواطن الاستفادة من هذا البرنامج، والإبلاغ فورًا عن أي حالات تستر، وعلى الدولة محاكمة كل من يشغِّل عمالة هاربة ومعاقبته والتشهير به، فقد ملّ المواطن وسئم من الدوران حول المشكلة من خارجها، والنظر لها من بعد، بينما هي واضحة وضوح الشمس، وحلولها أيضًا، ولعل هذا البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري يضع الخطوات الأولى في القضاء على فوضى العمالة الوافدة في بلادنا.