د. محمد عبدالله الخازم
يواصل خادم الحرمين الشريفين جولته الميمونة في الدول الآسيوية، وهي جولة ذات أبعاد استراتيجية وتكتيكية كبرى، سيكون لها أثرها في الحاضر والمستقبل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي كل محطة نلحظ الترحيب الكبير بخادم الحرمين الشريفين - بالذات في الدول الإسلامية- الذي تدعمه محادثات واتفاقيات معمقة في مختلف المجالات متنوعة. لست هنا للقيام بدور المحلل السياسي، لكن أشير إلى ملاحظات حول تعاطينا الإعلامي والمجتمعي مع تلك الزيارات.
أول الملاحظات هي النغمة التي يكررها بعض المحللين - بالذات محليًا- التي تصور الزيارات بأنها لمجرد ردح أو منافسة العدو الإيراني في مواقع النفوذ. لا شك نحن ننافس دول العالم في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والتعليمية وغيرها، وبالتأكيد أن أولى من ننافسهم ونزاحمهم هم أولئك الذين نعاديهم أو تبرز منافستهم لنا. لكنني أراه قصورًا في التحليل التركيز على هذه النقطة وكأنها الهدف الأوحد من الزيارات الملكية. المملكة لا تبني علاقاتها على أجندات ضيقة، أو أجندات طائفية، بل تعمق وترسخ وتؤسس لعلاقات واسعة استراتيجية في مجالات عدة وهذا ما يجب إبرازه. لا نريد التقليل من قيمة أصدقائنا في الدول الإسلامية ونصورهم بأنهم مجال استقطاب وتنافس تقرره دول أخرى دون حول لهم ولا قوة. أفق القيادة السعودية يتجاوز النظرات الضيقة في التنافس إلى ما هو أكبر وأشمل من التركيز على منافسة جزئية ضيقة، وهذه مهمة محللينا وإعلامنا الارتقاء بنظرتهم بما يوازي رؤية القيادة. أبعاد الزيارات الملكية شاملة ونحن ننافس ونتعاون مع كل دول العالم وفق فائدتنا ومصلحتنا العليا وليس لمجرد عداوة فردية لأي كان.
الملاحظة الثانية وهذه يشترك فيها الإعلام مع المسؤولين المعنيين تتمثل في عدم شرح الفوائد المشتركة بين بلادنا والدول التي نوقع معها اتفاقيات أو نتعاون معها. على سبيل المثال عندما توقع اتفاقية بترولية يتم التركيز على ما ستبنيه المملكة في الدولة التي تم التوقيع معها، ليأتي غير مدرك لأبعادها ويشكك في جدواها لبلادنا ويصورها كأنها مجرد دعم نقدمه لتلك الدولة. الاتفاقيات يستفيد منها الطرفان ويفترض أن تحوي ما يوضح ذلك، وبالتالي مهمة المسؤول شرح جدواها وفائدتها على المواطن السعودي وعلى الاقتصاد السعودي وعلى العلاقات السعودية مع العالم. لا يمكن إنكار الإشاعات والتحليلات السلبية دون مزيد من الشفافية والوضوح في جدوى الاتفاقيات لنا وللآخرين. بالعودة لمثال الاتفاقية البترولية يفترض أن تحوي وأن يستوعب الناس بأنها ستسهم في وظائف للسعوديين، سواء عن طريق مساهمتهم المباشرة في المشروع أو عن طريق إتاحة مزيد من فرص العمل المحلية المطلوبة لتحقيق مكونات الاتفاقية... إلخ. وبأن لها فوائد اقتصادية بعيدة المدى مثل إتاحة منفذ بيع بترولي مستقبلي ودائم وبأنها ستدعم استفادة اقتصادنا في جوانب أخرى مقابلة للبترول...إلخ. ما أعنيه هنا أن المسؤول المعني ووسائل الإعلام لا تشرح مزايا وفوائد الاتفاقيات على الطرفين، بمختلف أبعادها، فتترك مجالاً لأصحاب النظرات السلبية لعدم إنصاف جهودنا في هذا الشأن وعكس صورة توحي بأن ما نقوم به مجرد مساهمات نقدية يستفيد منها الآخر ونحن لا نستفيد منه.