يوسف المحيميد
في منتصف القرن الماضي كان النشر العربي يحاول أن يوجد صناعة كتاب حقيقية كما في الدول المتقدمة، يبحث عن الطرق والوسائل التي تجعله ينجح في تقديم كتب مهمة ومؤثرة، فجاءت كتب رواد عصر النهضة، التي صنعت أجيال الستينات والسبعينات، حتى ظهرت دور النشر الطارئة التي لم تستطع الوقوف جيدًا، وبحثت عن أقصر الطرق للكسب السريع، فوجدت أيضًا بدورها المؤلفين الطارئين، الباحثين عن الشهرة، من خلال كتب متواضعة، والقادرين على دفع تكاليف التصميم والطباعة والنشر والتوزيع وحتى الأرباح، فلم تعد هذه الدور تهتم بمحتوى الكتاب وقيمته المعرفية، بقدر اهتمامها بجمع الأموال السريعة!
لا أعرف كيف تذكرت ذلك، وأنا أتابع الحراك التشكيلي، وأربط بين دور النشر وقاعات الجاليري الخاصة بالفنون، فبقدر سعادتي الكبيرة بانتشار هذه الجاليريات في مدينة كبرى كالرياض، وتنافسها على تنظيم المعارض التشكيلية، وإشاعة الفنون الجميلة في هذه المدينة التي تتهم بصحراويتها وجفافها، كانت خيبتي أيضًا منها، وهي تضطر مؤخرًا إلى تأجير قاعاتها على الفنانين، فبدلا من البدايات الجيدة التي تبنت خلالها القاعات معارض الفنانين المتميزين، مقابل نسبة من قيمة اللوحات المباعة، مما يجعلها نشطة في التسويق والترويج لهذه المعارض واللوحات، لأنها شريكة الفنان في صناعة النجاح، اتخذت الطريق السهل والآمن، وهو تأجير القاعة لمدة خمسة أيام على أحد الفنانين أو الفنانات، ممن قد لا ترقى أعمالهم إلى مستوى المعارض الشخصية، لكنهم بحثًا عن الشهرة السريعة يدفعون للقاعات، فلا يحظون بالتسويق ولا الترويج، ولا المبيعات المناسبة، لأن القاعة استلمت الثمن مبكرًا، فضلاً عن أنها لن تحصل على نسبة من كل لوحة مباعة، لذلك لا يعنيها حجم مبيعات المعرض، ولا نجاحه، فهي ضيف على المعرض كالمتلقي، ليست مسؤولة عن طباعة كتيب المعرض، ولا جلب المهتمين وكبار المقتنين له!
في نظري، كما خسرت صناعة النشر العربي، بجلب مئات أنصاف المؤلفين، ستفشل الحركة التشكيلية العربية بجلب مئات أنصاف الفنانين التشكيليين، والدليل على ذلك، ما ينتظرنا في المستقبل القريب من هذه الأعداد الكبيرة من الشباب والشابات ممن لا يتردد أبدًا، ولا يخجل من التعريف بنفسه بلقب فنان أو كاتب، فهؤلاء سيملأون الفضاء ضجيجًا، ولا يظهر منهم إلا أقل من أصابع اليد الواحدة!