«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
في فترة الخطبة يشغل الخطيبان خطوط الهاتف من كثرة أحاديثهما مع بعض وكانت فترة الخطبة والعواطف المتأججة الشاغل لساعاتهم وكم عانت بعض الأسر من انشغال ابنتهم بالتفكير في خطيبها والحديث عنه وعن رومانسيته وكلماته الحلوة والعذبة التي تجعلها تنسى نفسها والوقت وهي تستمتع بمحادثته, ولقد صورت لنا الأفلام في الماضي مثل هذه الحالات سواء أكانت أفلام غربية أو عربية وحتى المسلسلات الخليجية التي برع فيها بعض الممثلين والممثلات وعلى الأخص حسين عبد رب الرضا وسعاد عبدالله.. وتمضى الأيام ويتزوج الخطيبان ويضمهما سقف بيت واحد تظلله السعادة والحب ويأتي الأبناء والبنات ولكن يصطدم البعض منهم بأن حولهم غلالة من الصمت والسكون بات يخيم عليهما. فتراجعت تلك الأحاديث الرومانسية وكلمات الحب الوردية التي كانت تسمعها الزوجة من خطيبها الذي كانت يوماً ما تفتخر به بين زميلاتها وصويحباتها بأنها محظوظة بأن الله وفقها إلى زوج بهذه النوعية، بل انه كامل تقريباً ولا كمال إلا لله.. ومع هذا ومع انشغال الزوجة والزوج بمشاغل ومتاعب الحياة تتسرّب من بين ألسنتهم تلك الكلمات العذبة والعبارات المعطّرة بالحب والشوق والتوق. وتطفو عليها كلمات تعبت من كثرة طلباتك.. وراتبي صار لا يكفي ما تريدين الحصول عليه.. لقد تعبت.. وزهقت من كثرة ما ترددين وتحنين؟ عندها تصطدم الزوجة بما تسمع. فلا ترد ولا تناقش وتهرب إلى عالم الصمت. وتتوجه إلى التركيز نحو أولادها وبناتها وتسعى وهي مغلوبة على أمرها بالاهتمام بهم أكثر وتدفن نفسها في همومها ومشاغل بيتها وأسرتها ويسود عالم من الروتين الحياتي والزوجي مثل ملايين الأزواج والزوجات لتطحنهم مطحنة الحياة العادية البعيدة عن رومانسية الماضي الجميل.. خطرت لي فكرة هذه الإطلالة لهذا اليوم وأنا أستمع لزوجة تشكي عبر أحد برامج الأسرة عن معاناتها من صمت زوجها الذي بات دائماً، بل إنه تغيّر 180 درجة عمّا كان في الماضي.. رغم أنها ما زالت تتمتع بجمالها وعشقها لتلك الأحاديث التي كان يتحدث بها زوجها في فترة الخطبة.. لكن مقدّم البرنامج أكد أن ما تعانيه هو ظاهرة عالمية يعاني منها كل الأزواج تقريباً في العالم، ومع هذا ينصح خبراء علم الاجتماع والسلوك البشري إلى أهمية أن يهتم الزوجان بين فترة وأخرى بالمصارحة والمكاشفة، فالزوجة قبل وبعد ليس لها إلا زوجها والعكس صحيح وكلاهما يجب عليه أن يحاول التخفيف من مشاغله واهتماماه وأن يرمي خلف ظهره كل ما له علاقة بمتاعب العمل وأن يشارك زوجته وأفراد أسرته الصغيرة حياتهم والتقرّب إليهم عبر تبادل الأحاديث ومناقشة بعض الأحداث التي لها علاقة بحياتهم ومستقبلهم وكل ما يسعدهم خلال جلسة عائلية أو حول مائدة العشاء أو حتى سهرة لمشاهدة برامج التلفزيون.. ومن الجميل أن يهدم الزوج جدار الصمت بالخروج بأسرته في نزهة أو رحلة أو حتى سفر إلى مدينة أخرى بهدف تغيير روتين إيقاع حياتهم اليومي ومن خلال هذه الرحلة معاً تنطلق الأحاديث وتتجدد المشاعر والألفة . فالأسرة قبل وبعد مصيرها واحد ولا بد مما ليس منه بد أن يعود الجميع لظلال شجرة العائلة.. وأن تعود عصافير هذه الشجرة للتغريد من جديد محطمة جدران السكون والصمت..؟!