د. محمد عبدالله العوين
لا يستطيع المراقب الموضوعي المنصف لحراك السياسة السعودية القوي والذكي والمبادر والمقتحم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- إلا أن يذهب مطمئناً إلى تأكيد حقيقة جلية للعيان بأن السعودية وكما كانت منذ تأسيسها صاحبة الموقف الثقيل الذي يتمخض عادة طال الزمن أو قصر عن انفراج أو حل لأية أزمة تعصف بأي قطر في خارطة الوطن العربي الكبير؛ إما بالنجاح التام أو بأقل الخسائر.
والشواهد على قدرة الموقف السعودي على توجيه مسار العواصف السياسة التي تثور فجأة في المحيط العربي إلى الكفة الراجحة كثيرة ومتعددة على نجاعة السياسة السعودية في إخماد الحرائق، وفي إهداء الرؤى العاقلة البصيرة المتزنة، وفي الغوث الإنساني العاجل والسريع، وفي التدخل المالي السريع أيضاً إن لزم الأمر لانتشال أخ عربي شقيق تكاد الضغوط الاقتصادية أن تهدد حكمه بالسقوط وتدخل دولته في دائرة الفوضى.
نتذكر -على سبيل المثال وبلا منة- اتفاق الطائف 1989م الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، والمصالحة في مكة المكرمة 1993م بين الفرقاء الأفغان المتقاتلين، والموقف السعودي النبيل من غزو العراق للكويت 1990، والدور السعودي الدبلوماسي الديناميكي لإيصال صوت المعارضة السورية المعتدلة إلى العالم باستضافة أطياف من القوى والتيارات المؤثرة في الصراع السوري للوصول إلى حل للأزمة الدامية.
أما المواقف الإنسانية؛ فلن يفيها هذا الحيز الضيق لعرض سيرة الإمداد الإغاثي المتواصل والمستمر للإنسان المأزوم في أي مكان من العالم، ومن باب أولى أن تكون الاستجابة لإلحاح الإغاثة أكثر سرعة وقوة حينما يكون المحتاج جاراً عربياً مسلماً، ويقف مركز الملك سلمان للإغاثة خير شاهد على نبل وسمو وخيرية المبادرة السعودية، ودليل ناصع على أن رائد حراك السعودية على المستويات كافة حل المشكلات العالقة، وإطفاء نار الحروب، وإخماد الفوضى، وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، والدفاع عن الحق، ورفع راية السلام، واجتثاث بؤر الإرهاب من أي مكان في العالم، وحماية المكتسبات الحضارية والإنسانية للأمة العربية والإسلامية.
وفي هذا الجانب -من باب التذكير- يسجل المشهد اليمني الدامي والموجع لكل ذي ضمير يقظ للتاريخ عمق وعي قيادة المملكة بما كان يخطط له الصفويون لابتلاع هذا القطر العربي الأصيل والشقيق والنفاذ منه إلى عمق الجزيرة العربية، مهددين المملكة وساعين إلى اختراق حدودها وتهديد سيادتها، متزامناً ذلك التخطيط الإرهابي الصفوي الذي استخدم البعد الطائفي الحوثي وسيلة لتحقيق طموحه الشرير الجانح مع التغول الفارسي في شرق وشمال المنطقة العربية، وبالتحديد في العراق وسوريا ولبنان؛ ولذلك مثلت العزيمة السعودية ورسمت الشجاعة النادرة في اتخاذ قرار «عاصفة الحزم» وتكوين «التحالف العربي» نقطة تحول هائلة وخطيرة في هدم بنيان الخيال الصفوي المريض باحتلال اليمن والانطلاق منه إلى الهيمنة على سائر ديار العرب، ومع القوة العسكرية المظفرة للتحالف بقيادة المملكة وتدريب وإمداد الجيش اليمني بما يلزمه لخوض معارك تحرير اليمن من العصابة الحوثية العملية.. تتواصل حملات مركز الملك سلمان للإغاثة مقدمة الطعام والكساء والدواء لليمنيين الذين يعانون الفاقة والمجاعة بسبب الحرب والحصار الخانق الذي تحكم سياجه عليهم العصابة العميلة لإيران.
وقريباً بإذن الله سيتم تحرير تعز والحديدة وصنعاء، وسيعود اليمن إلى أهله، وسيعود كما كان دائماً بلد الحكمة والأصالة والتاريخ.
ولا شك أن مواقف كهذه حرباً وقوة، أو دبلوماسية وحواراً، أو عوناً وإغاثة ومدداً لا يمكن أن يتخذها قيمة ومنهجاً إلا قائد نشأ وتربى وعاش في كنف محضن أخلاقي عال، وفي رعاية مدرسة سياسية ممتدة وعميقة التجارب، مستوحياً مواقفه ومبادراته من مبادئ الدين وأصالة القيم وإشراق الحكمة وسمو النفس. وفي زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى شرق آسيا متنقلاً بين النمور والأسود في قفزات التنمية وتفوق الصناعة والقدرات العسكرية، وزيارة الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا ولقائه غير العادي الذي خرق فيه الرئيس ترامب قواعد البرتوكول ما يؤكد أن الدور السعودي السياسي هو القادر -بمشيئة الله- على رسم مستقبل حضاري مشرق للوطن وللأمة.