جاسر عبدالعزيز الجاسر
في وقت واحد تتواجد (السعودية) في أهم عاصمتين في عالم اليوم المعاصر.. خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في بكين عاصمة التنين الصيني الذي لا يزحف فقط لتعزيز قوته الاقتصادية ونفوذه السياسي، بل يقطع المسافات قفزاً. وفي واشنطن عاصمة العالم المعاصر يتواجد الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، لتصحيح مسارات العلاقات الإستراتيجية التي عُرفت بها علاقات واشنطن بالرياض منذ اجتماع الملك عبدالعزيز والرئيس روزفلت، والتي كاد أوباما أن يخربها بعد أن جرف بمصالح أمريكا في المنطقة وفي السعودية ومنح إيران وملاليها ما لم يجرأ أي رئيس أمريكي على فعله بإقامة علاقات مع طرف يعادي أمريكا ويدمر مصالحها. ولهذا، فإن وجود محمد بن سلمان في واشنطن في هذا الوقت هو تصحيح لمسار دمره رئيس أمريكي سابق، ويعيده رئيس جديد أخذت سياسته تتشكل، ولهذا كان من المهم أن نسهم كدولة حليفة إستراتيجياً وشريكة اقتصادياً في صياغة سياسة التصحيح التي بدأها الرئيس ترامب.
وهكذا، فكلا الزيارتين مهمة، وأن الحضور السعودي لا بد أن يكون مؤثراً سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الاقتصادي، وبما أن الاثنين أصبحا متلازمين في هذا العالم واهتمام القيادتين الأمريكية والصينية، فلا بد أن يعزز من القوة الاقتصادية السعودية والحضور والنفوذ السعودي المتنامي والذي يعد واجهة جيدة ومتقدمة للدول الإسلامية والعربية.
في بكين يعزز الملك سلمان بن عبدالعزيز الشراكة الاقتصادية بين المملكة والصين، والتي تشهد تطوراً ونمواً متسارعاً، إذ يعد كلا البلدين شريكاً مهماً وحقيقياً للآخر على الساحة الدولية، إذ يشكل البلدان تكاملاً للمزايا التي تمتلكها البلدان في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجية المتقدمة والمالية وغيرها.
وبما أن للصين مبادرة جديدة للتوجه والانطلاق نحو العالم أجمع عبر منطقتنا العربية أو الشرق أوسطية والتي تحمل اسم (طريق الحرير) والتي تتوافق زمنياً وحتى إستراتيجياً مع مبادرة المملكة 2030، فإن البلدين مؤهلان لاستكمال مسيرة شراكتهما الإستراتيجية والاقتصادية بما يزيد من المنافع الاقتصادية والتنموية والسياسية للبلدين.
هذا بالنسبة للصين، أما الزيارة المكملة الأخرى والتي تزامنت مع التوجه نحو الشرق لتعزيز المسيرة السعودية بالحضور في أهم عواصم الغرب، فإضافة إلى ما ذكرناه من تصحيح لما أحدثته سياسة أوباما في المنطقة فإن زيارة الأمير محمد بن سلمان سيفتح آفاقاً رحبة وكبيرة لتعاون اقتصادي وصناعي، وهو ما أشار إليه الرئيس ترامب بإعلانه دعم برنامج أمريكي - سعودي جديد يركز على الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وينطوي على استثمارات تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار في السنوات الأربع القادمة.
تعزز الشراكة الاقتصادية المبنية على مبادرات التوجه السعودي في نقل التقنية والتكنولوجيا والصناعة مما يفسح المجال للمواطنين السعوديين للإسهام في تنمية بلادهم بما ستوفره مبادرات المشاركة الصناعية والمساعدة على إيجاد فرص وظيفية منتجة.
هذه الشراكة المثمرة مع بلدين يحتلان القمة الأولى والثانية في عالم اليوم لا بد وأن يعزز الحضور السعودي الدولي وينمي مصالح المملكة في عالمنا المعاصر.