حوار - أحلام حادي:
صرَّحت الكاتبة (أميمة الخميس) في لقاء حواري معها عام 2014م بأنها لا تنفك تخاتل (التابو) متفادية اقتحامه ومصادمته مباشرة بسذاجة مستجيبة لطبيعة المرحلة الحالية ومتطلباتها، وبأنها تمارس مغامرتها السردية بواسطة لغة متحررة للغاية: «لغتي متحررة جدًا، تحاول أن تفرِغ المفردةَ من حمولتها القديمة المهلهلة، وتعيد تعبئتها بشكل جديد، تركب فيه العلاقات في الجملة تركيبا مثيرا للدهشة، تختلط فيه الكتابة بتجربتها الأنثوية الخاصة». وتتجلى تلك اللعبة السردية المراوغة المدهشة في مجموعاتها القصصية التي مكنتها من معالجة قضايا محظورة وتمرير خطابها ورؤيتها الإبداعية، ومنها قضية النضج الجنسي للأنثى ووعيها لذاتها الأنثوية وعالمها المحيط، وتدور حولها سبعٌ من قصصها البالغة ست عشرة في مجموعة (والضلع حين استوى)، وقضية الشذوذ الجنسي (أين يذهب هذا الضوء). وتعتمد استراتيجية فذة لتوليد الغموض من ضروبها ابتكار الرموز الجنسية الخاصة «اليعاسيب الليلية المضيئة» مثلا في أقصوصة (دويشة)، وتشظية السرد وبعثرته. ولكنها تستبدله بضرب آخر من الغموض في رواياتها، تمثله في (زيارة سجى) الحبكة البوليسية، وشخصية «سجى» الملبسة، والكائنات الهوائية المختلقة، ففيها تقترف جريمة قتل غامضة أمام منزل «هند» في الليلة التي تستقبل فيها حبيبها خلسة، ويشارك في السرد من منظورٍ كوني الكائن الفضائّي «سجى» الذي يتملك وعياً كونياً وعلماً غير محدود. ويثير الحيرة بشأن هويته. أهو شعاعٌ ضوئي أو موجة صوتية؟! أو روح خالدة ؟! أو طير أخضر أرسلته الروائية للتجسس على شخصياتها؟! ولاشك أن انفتاح روايتها على آفاق التأويل المتعدد من أبرز الشواهد على تشكيلها الجمالي المدهش بطاقته الإيحائية المشعة في اتجاهاتٍ شتى. كما تتميز تجربتها الروائية بزخم ثقافي فريد من نوعه، تمثله الإشارات الثقافية المختلفة من الشرق والغرب، وفي شتى المعارف والعلوم كعلم الطاقة والفيزياء الكونية موظفةً توظيفاً فنياً بارعاً. حول هذه التجربة السردية الفريدة كان حواري مع الروائية أميمة الخميس في جامعة دار الحكمة بجدة.
* في مجموعة (أين يذهب هذا الضوء) 1996م توظفين الميتاسرد في الحبكة والمبنى الحكائي والرؤية لاستحضار صوت الأنثى المغيِّب في الحكاية الشعبية وتصورينها متمردة على مصيرها تحرر حبيبها المختطف بالدهاء والكيد الأنثوي صانعة نهايتها السعيدة، وأعدتِ توظيفه بنضجٍ عالٍ في (زيارة سجى) 2013م لاستنطاق الخرس النسوي على حد تعبيرك، فجذب اهتمام النقاد والمتابعين.
لماذا لا تحظى المجموعات القصصية -في رأيك- بالمتابعة النقدية كالرواية مهما كانت متفوقة تجريبياً؟ ولماذا توقفتِ عن كتابة القصة القصيرة بعد المجموعة الرابعة (الترياق) 2003م، وقصرتِ جهدكِ على الرواية؟ هل هي رحابة الأفق الإبداعي الذي تمنحه أم جاذبيتها للقراء والنقاد معاً وإغراءات الصعود للعالمية عبر الجوائز؟
- عادة النخب هي التي تصنع مزاج القراءة والتلقي، لكن مع الرواية اختلف الأمر، فرغم البدايات المتعسرة للرواية في الأدب العربي، حيث كانت تقابل كمولود هجين شعبوي، إلا أن شعبيتها وانتشارها، شجع على نزوعها باتجاه النضج الفني الذي طرأ على البنى السردية وفتح أمامها آفاقاً لامتناهية من التعبير والقيم الجمالية التي جعلت منها حاضنا ثرياً للتجربة الإنسانية بجميع أبعادها.
أشعر الآن أن القصة القصيرة قد ضاقت على تجربتي السردية، فكان فيها لثغة البدايات وتوجس التجريب، وانبلجت بوابة الرواية التي كما ذكرت في سؤالك بكل ما فيها من رحابة في الأفق الإبداعي واتساع هيكلها البنائي، القادر على تضمين أنواع فنية عديدة داخل سياق السرد، ليس على مستوى الجماليات فقط بل أيضاً فيما يتعلق بالتوثيق التاريخي لمرحلة مهمة في تاريخ المنطقة تحتشد بالولادات والتحولات.
وهذا لا يعني قطيعة نهائية مع القصة القصيرة، فتجارب القصص القصيرة المختزلة المكثفة باللغة الشعرية تروق لي، ولربما سأجمع ما كتبت في هذا المجال وأنشره قريباً.
* صوّرت في المجموعة نفسها الصراع الحاد بين لا شعور الساردة الفردي والجمعي: بين غواية الكتابة وفتنة السرد ومقاومة ذلك الاختيار المحفوف بالمخاطر أو ما سميتِه “جمر الكتابة” و“لعنة الاختلاف”.
هل أثارت كتابتك الإبداعية بطرحها المختلف لقضايا المرأة استقبالاً سلبياً سواء بالصمت والتجاهل أو الانتقاد الشرس؟
- اقتراف فعل الكتابة بالنسبة للمرأة حتما ليس بنزهة؛ لأن الكتابة تتحقق بها الفردانية واكتشاف الذات وتلمس الهوية على حين أن المرأة ظلت طوال الوقت جزءا من كل، أي ذات لا تتحقق إلا عبر الآخرين فهي إما ابنة فلان أو زوجة فلان أو أم فلان. لذا الكتابة النسائية تخلخل نمطية التلقي والكتابة هي فعل شغب، يحرك الأشياء من مواضعها التقليدية ويعيد رصفها داخل صيغة جديدة وغير مألوفة وأحياناً تكون صادمة، يجاهر بالمتوارى والمسكوت عنه في الفضاء الخاص، ويأخذه إلى الفضاء العام حيث مجلس الرجال الكبير، وحيث تسن القوانين وتسطر الشرائع؛ لذا بحثها عن حيّز لها في مجلس الرجال الكبير سيبعثر قوانين ذلك المجلس وانتظامها منذ آلاف السنين، لكن بما أن فعل الكتابة هو أمر قدري أو حتمية نعجز عن التنصل منها، لذا يتم منذ مراحل باكرة تهيئة أدوات النزال والانضمام إلى رحلة البجع الطويلة والمتطلبة، متحدية لواعج المسافات الطويلة مراوغة سهام الطمس والإلغاء.
* صرّحتِ في مقابلةٍ تلفزيونية (برنامج روافد) 2014م أنكِ كنتِ في إبداعك السردي تخاتلين الرقيب لاقتحام التابو، ثم ذكرتِ في صحيفة (الحياة) عن (زيارة سجى) أنكِ خاتلتِ فيها اليقين البشري الأحادي للكشف عن نسبية الحقيقة. نقلة نوعية “فكرية وتقَنية” يتبيّنها القارئ سريعا، فمن رمزية مراوغة ممتعة في مجموعاتك إلى لغة صريحة عن لقاء غرامي بين شابة وحبيبها.
ما أسباب هذا التحول: خفوت سطوة الرقابة أم تقنية العصر التي تجعل الرقابة مستحيلة أصلاً وعبثية؟
- بالنسبة لي هناك مستويات عدة للكتابة، أو لنقل دوائر عدة، فهناك دائرة الفضاء العام الشاسع الذي أطل منه في زاوية رأي صحفية على نطاق كبير من المتلقين حيث هناك مزاج جمعي لا بد من احترامه ومسايرته، فبعض القضايا في بدايتها تكون ملتهبة ومحتدمة، وتكون ردود فعل الجماهير عليها متوترة وانفعالية، هذه الكتابات تتميز بذاكرة قصيرة وآنوية، وتزول بزوال القضايا التي تولدت عنها.
بينما هناك نوع آخر من الكتابات التي أنحتها بشكل متأنٍ وحرفي، وأوسّع فيها من دائرة البوح والمكاشفة، وأستجيب فيها لكل اشتراطات السرد كصيغة جمالية لكتابة التاريخ، فهي تعبر عن مجتمع يتضمن جميع الفضائل والخطايا، والشخصية السردية الناضجة المتكاملة لا بد أن يشعر بها القارئ ويستحضرها ماثلة في ذهنه، مهما كانت أفعالها جامحة ومتمردة على مألوفه.
* بطلاتكِ في المجموعات القصصية وحتى في روايتك الأولى (البحريات) 2006م مستلبات مقهورات، ولكن الأنثى في (زيارة سجى) مختلفة تماما، جسورة مخادعة قوية الشخصية تحتال على أسوارها المحكمة وسجّانيها من الذكور.
ما العوامل التي أدت إلى هذا الانقلاب في تصوير الشخصية: هل يرصد تغيرا جوهريا في طبيعة المرأة وثورة في وعيها وشخصيتها صنعها التعليم واكتساح العالم الخارجي عبر وسائل التواصل؟
- بطلتي في رواية الوارفة كانت طبيبة سعودية استطاعت أن تخاتل الكثير من الحواجز والحدود داخل منزل محافظ، من أجل أن تحقق حلمها، واستطاعت أن تقفز من بيت العائلة ذي السمت والوقار إلى كتف العالم -كندا- لتكمل دراستها، وحتماً التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي مرّت على الوطن كان لها انعكاساتها الكبيرة على النسيج الاجتماعي والاقتصادي، بما فيها مكانة المرأة والحيز الذي تتحرك فيه، وسعيها إلى اكتشاف ذاتها والاستقلال بخياراتها، حتى ولو لم تكن تحمل أجندة نسوية مؤدلجة بصحبتها لكن طبيعة العصر والحراك الاجتماعي تدفعها إلى البحث عن دروب ممهدة تحقق بها ومن خلالها إنسانيتها وأحلامها.
ولربما الجواب تندرج فيه أبعاد اجتماعية وأخرى فنية وأخيراً قد يكون فيها تحولات نضج في العملية الكتابية، وقضية الكشف وأسقف البوح العالية إشكالية نقدية قديمة، ولكن يتحدد دورها بمدى قدرتها على خدمة النص وتعميق أبعاد المشهد، ونقل طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تكونت على ضفاف العديد من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية لاسيما تلك التي تطال المرأة والأطر الحساسة التي تطوّقها.
هي لمحة عن نساء بات في استطاعتهن مدّ أيديهن للوح الأقدار وكتابة بعض السطور بأقلامهن الخاصة.
* أثارت رواية (زيارة سجى) في قرائها نقاداً ومتابعين دهشة بالغة، وربما مفاجئة بتقنياتها العالية وتحريرها الأصوات النسوية المقموعة بجرأة وهتكها مغاليق الحجرات السرية في مدينة (الرياض): العلاقات الجسدية السوية والشاذة واستحضار صوت ذي قوى خارقة لمزيد من إطلاق المكبوت وفضحه “سجى”. وفي مجموعاتك القصصية نظائر لكل ذلك من تقنيات عالية وطرح لقضايا محظورة ولكنه مقنّـع برمزية مبهمة.
بمَ تعللين دهشةَ التلقي إذن؟
- لربما لأننا نعيش زمن الرواية مع اتساع مساحة التلقي لها، البعض يقاربها بنوع من الفضول، والبعض يلعب مع الصفحات لعبة المرايا، وفي النهاية كما أسلفت الرواية يمتد خيط سردها على مدى صفحات طوال تحدث نوعاً من التماهي بين القراء والشخوص والأحداث، يتخلل هذا تفتيش في الأوراق القديمة للبحث عن جزء من ذاكرة العائلة أو الذاكرة الجمعية، فتغدو الرواية كأنها التفتيش في صندوق الجدة القديم.
* صمتت (زيارة سجى) عن الأماني الثلاث المؤجلة المرموز إليها بالأطفال الثلاثة.
هلا أطلعتِ القارئ بثلاث أمنيات “كِبار” تطمح أميمة الخميس لتحقيقها في الحياة؟
- جميل أن تشاركيني كقارئة لعبة السرد، واستنطاق الشخوص السردية بالمضمر والمسكوت عنه في متن النص السردي، ولكن هؤلاء الأطفال قد يكونون هم البشارات التي لم تعد تقبل بأجوبة النخب، أو الجواب الأحادي الذي يخطه لهم الكبار، ويتسلطون فيه ومن خلاله على مشروعاتهم في الحياة، هم الأطفال الذين يخترعون أبجديتهم الخاصة وفق قوانينهم المتفلتة من رقابة الأوصياء.
* “الأمل.. ذلك الشيء المكسو بالريش على غصون أرواحنا، يغني الحقيقة بلا كلمات، ولا يتـوقف أبدا عن الغناء” بمقارنة التصدير المذكور بالنص الأصلي «قصيدة الأمل- إميلي ديكنسون» تبيّنت أنكِ استبدلتِ (الحقيقة) باللفظ الأصلي (النغم: Tune) ولم تشيري إلى تصرفك في الترجمة.. فلماذا؟ هل للتصرف بواعث إبداعية كربط الصورة الشعرية -مثلا- بصورة الطائر الجميل المترددة عدة مرات في الرواية؟
- اكتشفت القصيدة مترجمة، وأعجبتني وأحسست أن أجواءها جدا معبرة عن الرواية، الحقيقة... الطائر... الأمل البشري الذي لا يندمل، كل هذا جعلني أصدّر بها روايتي.
* من منشور السرد لرواةٍ غير ثقاة، يكذّب بعضهم بعضا، ويقرّون بعجزهم عن التحقق من صحة ما يسردونه من أحداث تتشظى الحقيقة وتتبدد في (زيارة سجى)، وتدخّلكِ في نهايتها بسردٍ ما ورائيّ يمعن في تبديدها، فلمَ إذن صدّرْتِ نصك المنفَلِت من إطار الحقيقة بأبيات الشاعرة الأمريكية (إميلي دكنسون) عن تغنّي طائر الأمل بالحقيقة بلا كلمات على غصون أرواحنا؟
الحقيقة كلمة زئبقية ورجراجة، ولعل هذا هو المحور الذي ترتكز عليه الرواية، وحاولت أن تعبر عنه عبر تعدد الرواة، الحقيقة ليست واحدة بل متعددة متشظية نسبية ومتفاوتة، تخضع للأحوال ولظرفها الزماني والمكاني، نسبية الحقيقة هي التي تصنع أرضية واسعة من القبول والتعايش والتسامح، طالما أن كلاً منا قبض على حقيقته الخاصة، واحترم حقيقة الآخر.
* يستدل من إشارة صريحة أوردتِها في الرواية أن كتابتها استغرقت أكثر من عامين، ولاحظت أنها المدة نفسها التي فصلت بين روايَتَيْكِ الأولى والثانية، فهل هو معدل إنجازكِ للرواية الواحدة؟
- عملي في الرواية معسكر منضبط: عام: قراءة وبحث وتأمل وتدوين، وعام مراجعة، روايتي التاريخية الأخيرة التي ستصدر قريباً أخذت مني أربع سنوات، كانت مجْهِدة ومتطلبة، وعندما عرفت أن الكاتب التركي أورهان باموك أمضى 8 سنوات في كتابة رائعته الروائية (اسمي أحمر)، استبقيتها بين يدي طويلاً، أنقب بها ومن أجلها بعين راصدة ما بين حذف وإضافة وتأمل، فالرواية التاريخية هي كتابان في كتاب، الأول رواية تاريخ، تحتاج تثبت، وتوثيق والثاني حدث سردي له اشتراطاته الفنية والجمالية.
* في إبداعكِ السردي لاسيما (زيارة سجى) يوحي ثراء الخلفية العلمية والمعرفية بإعدادٍ تنسيقيّ متأنٍ لمادته لإدراجها في نسيجه، وبعض المبدعين الكبار يقرّون بمثل هذا الإعداد، فهل قمتِ بذلك قبل إنجازها؟ وكم استغرق من الزمن؟
- قد تكون الكتابة هي المهنة الوحيدة التي لا تسمح لمزاولها بالتوقف أو التقاط الأنفاس، فهو في كل الأحوال يعيش حالة مخاتلة وتأمل لما وراء المشهد، يبحث عن العناصر التي من الممكن أن يستثمرها في نصوصه، يتحول إلى وعاء كبير يصب فيه العالم، ليقوم هو لاحقاً بعملية فرز وانتخاب، من الصعب أن تمر عليه شخصية أو كتاب أو مدينة جديدة دون أن يلتقط منها الموتيفات الصغيرة التي سيوظفها يوماً ما في عمل أدبي، ودعيني هنا أتوسل التعابير النسوية، حيث عملية الكتابة ليست عشوائية وتخضع للمصادفة بقدر ما هي عملية حمل طويلة يتشكل وينمو رويدا رويدا داخل الكاتب حتى يصل إلى مرحلة يقول فيها: حسنا آن الأوان أن ألد، فيجلس ويبدأ في تلقي وتدوين العوالم التي تجيش بداخله عبر مخاضات طويلة ومستنزفة.. وممتعة في نفس الوقت.
* فرضية وجود كائنات من عنصرَيْ ”الماء والهواء” التي طرحتِها مدهشة وجديرة بالبحث لاسيما مع تردد فرضيات أخرى في أدب الخيال العلمي وعالمنا الواقعي عن وجود كائنات حية في الكواكب الأخرى اتخذت جميعها منطلقا لرحلات استكشافية في الفضاء.
هل كانت فرضيتك من نتاج المخيلة أم من وحي الأساطير والخرافات؟
- مدونتنا التاريخية، وإن كانت خالية من الأساطير بمعناها الإغريقي الدرامي، لكنها من ناحية أخرى تحتوي كما وافراً من الحكايات والروايات والسير والمغازي والأخبار المذهلة، التي تلعب الخرافة والماورائيات بها دوراً كبيراً، تشير إلى إرث حضاري سردي غني وثري بالحكايات، لذا دائماً أستمتع بتوظيف ذلك المخزون التراثي العميق في رواياتي فهو يعطيها عمقاً ولمسة من السحر، وفي نفس الوقت يجعل منها امتداداً لخطاب سردي قديم، يحتشد بالخوارق والماورائيات، وهو جزء من طبيعة الفن.
* في بنية الرواية توظيف حاذق لبعض القوانين والمفاهيم المستمدة من (علم الطاقة): قانون الجذب، الشفرة الكونية، وتجسيدٌ للطاقة في شخصية المرأة الغريبة التي تمرق من تحت أقدام العاشقين ولا يلحظها سوى (سجى). أهي ثمرة قراءاتك في (علم الطاقة) أم رواية (الخيال العلمي) وإلى أي مدى تعتقدين بموثوقية (علم الطاقة) الذي لا يعترف به علماء الفيزياء؟
- مشكلة الإنسان الحديث أنه بات يحتكم إلى العقل في جميع شؤون حياته، حتى تلك التي تتعلق بالفنون الإبداعية، ولكن الحقائق دوماً تتحدى العقل البشري المغرور، وتثبت له أنه لم يستطِع إلى الآن أن يلم بجميع أسرار ومعميات الكون، ولذا تأتي هذه اللمسات لتحدى أيديولوجيا العقل، والاقتراب من حقل جديد دخل المشهد الفكري ليقدم أجوبة تتقاطع مع العقل في كثير من المسلمات.
* انفتاح نصك الروائي دائما على الثقافات الأخرى بزخم هائل من الإشارات المتنوعة إليها «الحكاية، الأغنية، المعتقدات الشعبية...»، خاصية تبعث على التساؤل عن مفهومك الخاص للرواية وغايتها، هل هي نص ثقافي بالدرجة الأولى تمتزج فيه الثقافات وتتناغم أو بعبارة أخرى «نص ثقافة كونية» في عالمنا الموسوم بـ(القرية الكونية).
- الرواية هي من أكثر الأشكال الأدبية كرماً وتسامحاً مع ضيوفها، فبواباتها دوماً مشرعة، وهيكلها وبنيانها، شاسع ممتد، وباستطاعته أن يحتوي تحت سقفه الكثير من الكائنات الجميلة، والطفرات والتجليات التي تباغت الناسج السردي سواء حكايات أو لوحات، سيناريو درامي، أو حتى أهازيج وأمثال.
وبما أن الرواية بجانبها التاريخي تسمح لكثيرٍ من الرصد والتوثيق أن يظهر بين الأسطر، لذا فهي أيضاً تختزل التجربة الوجودية والصراعات الإنسانية، مع عالم مصنوع من حرقة الأسئلة، وقلق الأجوبة.
هي منزل يطل على نهر العالم، وكثيراً ما يتوقف بين يديه المدهش والغرائبي، وما هو قادم من الجبال البعيدة.
ومن هنا لا يصبح على الروائي أن يقدم مفهوماً للرواية مغلقاً على يقينه ونمطيته، بل العمل الفني هو صيرورة متصلة التحولات، قد يجد فيها القارئ بعضا منه، وقد يجد التاريخ أيضا فيها جلّ ملامحه.