نادية السالمي
لا شكرًا لمحتسب معرض الكتاب على الفوضى التي افتعلها، وإذا كانت له كلمة أو رأي فكان من الواجب أن يتوجّه إلى المنظمين، أما الاستقواء على الضعيف أو الضيف فعل مشين لا عقل فيه ولا دين، وإن كان عذره أن «المنكر يجب إزالته» فليتعلم كيف يجمع بين النصوص ليتوصّل إلى قوله تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}.
وفي هذا المحتسب وأمثاله كَتب «أحمد ديدات» شرحًا عميقاً لمثل هذه الصور وأنماط هذه الشخصيات التي تتكرر غلاظتها على مدى الأيام فيقول: «أشرس أعداء الإسلام هو مسلم جاهل يتعصب لجهله، ويشوه بأفعاله صورة الإسلام الحقيقي، ويجعل العالم يظن أن هذا هو الإسلام».
وجه الشبه بين المنظمين للمعرض والشاب المحتسب
كلاهما يلغي الآخر من حساباته، ولا يقيم له وزنًا، كان من الأفضل احترام رغبة الآخر.. المنظم يعرف أن هناك من ينكر الموسيقى ويُحرمها فهل يعقل أن يَحرمه من زيارة المعرض لأن الموسيقى حاضرة؟! الفئة من الناس التي تبغض الموسيقى، كان حرياً بالمنظم تقدير رغبتهم لا إرغامهم على السماع، كما هو حري به إرضاء من يرغب في سمعها، وحتى يترك للجميع حرية الاختيار، أجدى أن يقوم بتحديد صالة معينة تُعزف فيها الموسيقى ويأتي إليها من يرغب فيها، بدلًا من إحراج الفرقة الماليزية، وإثارة فزع المارة الذين استنكروا صراخ المحتسب، الذي كان من الأولى به أن يحترم ذاته ويُجل الضيف المدعو ويقدره حقّ قدره بدلاً من وضع الفرقة في موقف لا تعرف له مخرجاً، وهم ما جاؤوا ولا تكبدوا مشقة السفر إلا بدعوة من البرنامج الذي وضعه المنظم للمعرض، ويتجنّب بهذا خلق الفوضى وإن كان له من اعتراض فليتقدم به للمعنيين.
وفي المنظم والمحتسب وصف دقيق لتطرفهما عند الدكتور زكي نجيب محمود فيقول في وصف التطرف في الفكر والعقائد:
«أن تختار مسكنًا فكريًا وعقائديًا لتُقيم فيه راضيًا عن نفسك ولكنك لا تريد لغيرك أن يختار لنفسه ما يطيب له من فكر وعقيدة، بل تلزمه إلزامًا أن ينخرط تحت سقف فكري واحد».
معضلة لا يُستهان فيها أن يكون المثقف والمحتسب لا يؤمنان بأن الإنسان حر فيما يختاره وعليه تبعات قراره، ولا يعنيهما احترام خياره وتقديره، ولعل رغبة الماغوط «سأمحو ركبتيَّ بالممحاة، سآكلهما حتى لا أجثو لعصر أو لتيار أو مرحلة» رفض للتبعية المطلقة دون إلمام بعلم ومعرفة، وهي بطبيعة المنطق لا تعني الحرية المطلقة للمرء، فالحرية المطلقة كذبة صنعها أنصاف الفارغين لأقرانهم الذين اكتمل نصاب فراغهم والماغوط ليس فارغًا.