د. سلطان سعد القحطاني
بعد صدور النظام المشار إليه، وإصرار الوزير الحجيلان على تنفيذه، تقدم عدد من رجال الأعمال، وبعض ملاك الصحف السابقة بطلب مؤسسة صحفية، غالبية هذه المؤسسات من دمج الصحف السابقة في بعضها باسم إحدى الصحف السابقة، مثل: المدينة،وعكاظ، والبلاد، واليمامة، والندوة والبلاد، والدعوة، وأسست جريدة اليوم. وقد أستثني من هذا التنظيم، المجلات المتخصصة، المنهل والعرب، وما في حكمهما.
ولم تكن الصحف الفردية- كما يطيب للبعض تسميتها- منفلتة، بل كانت تحت رقابة المطبوعات والنشر، والنظام الجديد ارادها شركات في ثوب مؤسسات صحفية لتبقى تحت وصاية الإعلام، وليس وزارة التجارة، التي تختص بترخيص الشركات، لكن في باطن النظام (شركات صحفية) فالمؤسسة الصحفية يمتلكها عدد من المساهمين، لا يقل عن خمسة عشر عضوا (29)، ومن شروط هذا النظام أن يبتعد عن بيروقراطية رئيس التحرير في الصحافة الفردية،الذي يكون غالباً مالك الصحيفة، فالنظام ينص على أن يكون التحرير جماعياً لا ينفرد به رئيس التحرير.فإذا قلنا إن من مسوغات إلغاء الصحافة الفردية: انفراد رئيس التحرير بالرأي وتأثيره على توجهات الصحيفة،وهذا هاجس أمني ليس له وجود الآن،فقد تخطاه الزمن، ولم يعد صالحاً،وقد أختُرق هذا البند، فرئيس التحرير هو المسيطر على الصحيفة إلى غدٍ. والمسوغ الثاني: ضعف الموارد المالية وحرص الدولة على اجتذاب رجال الأعمال والنهوض بالمؤسسة الصحفية. وهذا مما أضعف الجانب الثقافي في كثير من الصحف ببحثها عن الإعلان قبل الجانب الثقافي التنويري. وكثير من الباحثين يؤكد على الصحافة عادة تتبع نظام المطبوعات، فإذا عدنا إلى النظام الصحفي في العالم نجده يتبع المطبوعات فعلاً، وليس مؤسسات تنازعت الأنظمة بينها، واختلطت المطبوعات الصحافية مع غيرها مما تصدره الجهات العلمية والفنية.
وما يهمنا في هذا الفصل من البحث، هو الدور التنويري، فقد وجدنا عددا من الكتاب كان لهم كبير الأثر في التنوير وجرأة الرأي العلمي غير المتحيز، فقد طالب بعضهم بتعليم الفتاة، ووقف عند رأيه حتى تحقق ما كان يرى المعارضون له أنه حرام تجب معاقبة من دعا إليه، وبالتالي عمل هؤلاء في هذه الدائرة وتلك (30) وكانت مقالات الجهيمان التنويرية في جريدة القصيم، واليمامة تشعل الجو الثقافي التنويري بما يمكن أن يعالج القضايا الوطنية، وينتظرها القراء بفارغ الصبر كل أسبوع، كما اهتمت الصحافة بالنقد الأدبي، والثقافي، والاجتماعي، فكانت مقالات عبد الغني ساب، وأحمد السباعي، وعبد الله عريف، وفتى الخليج تنير الطريق وينتظرها جمهور المثقفين (31) كما اهتم الكتاب بتطوير النقد ليأخذ شخصية معينة بين الأدب العربي، فكتب عدد كبير منهم حول هذا الموضوع، منهم عبد الرحمن الخضيري، وعمران العمران، وعبد الله حمود الطريقي، وعبد العزيز القويفلي وغيرهم في اليمامة (32) وأدت صوت الحجاز دورا تنويريا في مقالات كتابها، حسين سرحان، ومحمد حسن عواد، وعبد الحميد عنبر ، وأمين سالم رويحي (33) وقد كان لهؤلاء التنويريين جمهور ينتظر مقالاتهم حين صدورها، لأسباب ساعدت على ذلك، منها: أن الصحافة الأدبية والفكرية وفرت للقارئ ما لم يستطع الكتاب توفيره، وإن وفر بعضاً منه فلن يستطيع أن يوفر الباقي، وأن المقال في الصحيفة يعتبر حدثاً طرياً يقبل الأخذ والرد بين مؤيد ومعارض، وأن الصحيفة على موعد مع القارئ لتقديم ما يرغب الاطلاع عليه، وأن المقال التنويري يصدر من الكاتب إلى القارئ فيقوم بتعميمه على الآخرين ممن لايقرؤن، وأن سعر الجريدة في متناول الجميع، فهو لا يتعدى ثلاثة قروش (34) كما ظهرت النقود الأدبية بين عبد القدوس الأنصاري ومحمد حسن عواد، وبين أحمد عبد الغفور عطار وأحمد السباعي، ومنها تكونت مدرستان نقديتان (35) ولم يتوقف المقال عند النقد الأدبي والاجتماعي، بل تعداه إلى مناقشة أمور الاقتصاد، فكتب محمد صالح جمال مقالا في جريدة حراء يناقش فيه جشع التجار وسكوت وزارة المالية عن ذلك، فبيع العدد بخمسة ريالات، وهي تساوي مرتب موظف في اليوم آنذاك (36) وهذا دليل على إقبال القارئ على التنوير ومناقشة الأمور على الساحة الشعبية، وكانت مقالات الكتاب منارة للمتلقي على قلة المتعلمين قد أدت دوراً كبيراً في حياة المواطن، وأصبح لها جمهور عريض فقد كثيراً منها في زمن الؤسسات، لأسباب قد لا تكون جوهرية لكنها حصلت، منها: أن القارئ يظن أن هذه المؤسسات حكومية لن تناقش شؤونه الخاصة، ومنها الرقابة على الصحيفة، وأن رئيس التحرير ليس من الأدباء المعروفين الذين تعود على متابعتهم ووثق بطرحهم، ومنها زيادة عدد المتعلمين الذين يبحثون عما يناسبهم في الصحافة العالمية، وظهور المذياع والتلفزة، وبالتالي قل عدد القراء، كما يؤكد أحمد عبد الغفور عطار في مذكراته السابقة.
الخلاصة:
وبعد أن طوفنا في رجاب ا لصحافة، نشأة وتطوراً وتنويراً، آن لنا أن نلخص ماجرى في هذا البحث المختصر قدر الإمكان ليواكب ما أعد له، ولا شك أن الصحافة السعودية لم تأت من فراغ، فقد قامت أسسها على ما كان قبلها من الصحف في العهدين (العثماني والهاشمي) هذا من حيث الاحترافية المهنية، فقد تدرب عدد من الفنيين في مطابع بولاق بالقاهرة، أما من حيث المهنية الثقافية، فقد كانت الصحافة في العهد الهاشمي منتجة،بفضل ما تعلمه الكتاب الموهوبون في مدارس الفلاح التي استقت مناهجها الحديثة من مناهج الارساليات الفرنسية في جبل لبنان، التي بدأت أعمالها في بداية القرن التاسع عشر في زمن المتصرفية التركية، فقد ظهر بعض المثقفين في مكة وجدة والمدينة المنورة يراسلون الصحف العربية، في القاهرة ولبنان وتركيا، وكان للشباب الحجازي دور كبير في تأسيس صحيفة ترد على الصحافة التركية، كان مقرها في جدة (الإصلاح الحجازي) فما أن استقر الحكم للحسين بن علي على مكة وجدة حتى ظهرت صحيفة القبلة التي كانت منبراً للأدباء الشباب المندفعين نحو الإصلاح، من شعراء وناثرين، ممن عاصروا العهدين، وكانت صحيفة بريد الحجاز لسان حالهم أيام حصار جدة، ومنهم من هرب خارج البلاد لكنه كان يراسل الصحيفة المذكورة، حتى استقر الحكم السعودي وعادوا يمارسون أعمالهم ووظائفهم بكل ثقة وأمان، ومنها ظهرت الصحافة السعودية على أنقاض الصحافتين السابقتين،فالقبلة الهاشمية كانت وريث صحيفة (حجاز) التركية، ثم ورثتها صحيفة (أم القرى) وكل من هذه الصحف كانت الصحيفة الرسمية للدولة. أما صوت الحجاز، فكانت وريثة بريد الحجاز بكل ما كانت عليه، ابتداءً بمؤسسها، ورأس تحريرها الأديب القومي الشاعر، عبد الوهاب آشي، وتوالى إصدار الصحف الفردية، فقد أصدر آل حافظ صحيفة المدينة في عام 1953، وكانت أول صحيفة تصدر بالصور، وكانت تلك الصحف والمجلات، كالمنهل التي يصدرها الأديب عبد القدوس الأنصاري وما تزال في عقبه إلى اليوم، قد قامت بدور كبير في نشر الثقافة والوعي وتنوير المجتمع، من خلال ما تنشره بكل أمانة وصراحة، وقد بلغت الصحف قبل عهد المؤسسات قرابة تسع عشرة صحيفة، وتحولت إلى مؤسسات صحفية بلغت ثمان مؤسسات معظمها من دمج صحف بأخرى، وقليل منها تأسس من جديد، وأخرى رفض أصحابها الانضمام إلى المؤسسات الصحفية، منها قريش والأضواء والرائد، وغيرها، ولاشك أن الحركة الثقافية كانت عامرة تستقبل تلك الصف والإذاعات بكل نهم وتفهم لما فيها، وكان المجتمع يقدر الأديب والمثقف ويعتمد عليه في كثير من الشؤون، وكان خريج المعهد أو الجامعة يحظى بتقدير كبير، مما جعل الصحافة تهتم بما تنشر وتتبارى في إصدار الجديد في مقالات وصور إعلانية عن التجارة الحديثة، وكانت طموحات أصحاب دور النشر الصحافية كبيرة، فكانت دار المدينة للنشر قد جلبت مطابع حديثة واصدرت أول مجلة باسم العاصمة (الرياض) 1957،لكن أمراً ملكيا صدر بالموافقة على إصدار مجلة بهذا الاسم لحمد الجاسر في الرياض.،ولم تكن دور الصحافة مجرد إصدار فقط، بل كانت إحدى دور التجمع الثقافي للأدباء والكتاب ورؤساء تحرير الصحف والمجلات، يقول بعض الذين كانوا يطبعون كتبهم ومجلاتهم في مؤسسة المدينة ومطابع الأصفهاني بجدة، أنهم كانوا يلتقون كبار الأدباء والعلماء هناك، أمثال:محمد حسين زيدان، وأحمد السباعي، وعبد الفتاح أبو مدين، وعبد القدوس الأنصاري، وأحمد محمد جمال،وحمد الجاسر، وعبد الله الشباط، وكل رؤساء تحرير الصحف والمجلات.
لقد تتلمذ الجيل الأول والثاني والثالث على مقالات هذه الكوكبة من الأدباء، سواء في عهد الأفراد، أو المؤسسات، ولكن عهد الأفراد كان أثرى وأجرأ في الطرح، فقد كانت مقالات أحمد السباعي حول الحج والحجاج واستغلال المطوفين مثار جدل دائم، حتى قال إنهم، أي المطوفين، هددوه بالضرب إن لم يكف عن فضحهم، ومقالات محمد حسن عواد النقدية وكفاحه في سبيل التنوير والتطوير، كذلك كتابات عبد القدوس الأنصاري في تصويب اللغة والمصطلحات اللغوية، وكذلك حمد الجاسر في الآثار واللغة، وعبد الكريم الجهيمان في طريق الإصلاح، وأسلوبه الجذاب، وعناوين مقالاته، كالوزارة التي لا تقرأ، والوزارة التي لا تفهم، وغير ذلك، ومقالات إبراهيم هاشم فلالي النقدية،، وقصص أحمد سالم رويحي القصيرة، وكل ذلك موجود في ارشيف الصحافة، وفي الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي ظهرت الملاحق الأدبية، وانتعشت الصحافة الفكرية من خلالها، لكن اتجاهات الصحف قُيدت إلى حد ما،حتى دخلت الصحافة عصر الالكترونيات وتوسعت دائرة القراءة في الداخل والخارج.... هذه إطلالة سريعة ومقتضبة حول مسيرة الصحافة ودورها التنويري المهم في الحياة الفكرية والأدبية، أردت منها فتح باب على الدراسات ألأكاديمية... ولعل الجيل القادم من الشباب يهتم بهذه الناحية لتوثيق منجزاتنا العلمية والأدبية.... هذه محاولة أرجو أن نتوسع فيها فيما بعد. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على محمد وسلم.
... ... ...
- المصادر والمراجع والهوامش:
أبو بكر الدسوقي (الصحافة التركية: الحقوق والقيود) السياسة الدولية.
كمال محمد بشر (لغة الصحافة في الحرب العالمية الثانية) رسالة دكتوراه مخطوطة، مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقيةS.O.A,S، لندن1960م.
انظر، سلطان بن سعد القحطاني (مقدمات التحديث الأدبي والنقدي في المملكة) ورقة عمل مقبولة للنشر في علامات للنقد.
انظر، محمد المعتصم(الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية، وحركة الجامعة الإسلامية) مجلة البحوث الإسلامية، ع3، 1397/1977م، الرياض.
سلطان بن سعد القحطاني( المقدمات التاريخية للتحديث الأدبي والنقدي في المملكة) مصدر سابق.
انظر، نزار أو غري، جريدة الحياة اللندنية، في 11ديسمبر 1993.
انظر، إبراهيم الداقوقي (صورة العرب لدى الأتراك) ص4-5، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية 1996.
محمد الصفراني (جريدة الرياض) 1مايو2008.
انظر، محمد الشامخ (الصحافة في الحجاز) الرياض1980م.
انظر، سلطان سعد القحطاني (النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية، نشأته واتجاهاته) ص80، نادي الطائف الأدبي 2003م.
انطر، محمد العوين (فن المقالة في الأدب السعودي، وعائشة الحكمي، تعالق الرواية بالسيرة)، وغيرها من الدراسات التي قامت على الصحافة.
انظر، عثمان حافظ (الصحافة في المملكة العربية السعودبة) تهامة 1982م.
انظر، موقع الدكتور عالي القرشي.
مثل: الشاعر أحمد إبراهيم الغزاوي، وحمزة شحاتة، الذين كانا في السودان، يكتبان ويرسلان أشعارهما إلى جريدة بريد الحجاز، أما محمد حسن عواد فلم يبرج جدة.
انظر، سلطان سعد القحطاني (النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية، نشأته واتجاهاته) ص43، نادي الطائف الأدبي، 2003م. مصدر سابق.
المصدر السابق، ص59.
انظر، عبد الكريم الجهيمان (مذكرات0000وذكريات، من حياتي) ص175، 1998م.
انظر، مسرد الصحف السعودية، مكتبة الملك فهد الوطنية.
محمد حسن عواد (الحجاز بعد 500،خواطر مضرحة) المكتبة الحجازية 1926
انطر، محمد علي مغربي (أعلام الحجاز في القرن الثالث عشر الهجري) ص155 تهامة 30
سلطان القحطاني (النقد الأدبي في المملكة العربية السعودية، نشأته واتجاهاته) ص 106، مصدر سابق.
انظر، الدكتور، منصور الحازمي (معجم المصادر الصحفية لدراسة الأدب والفكر في المملكة، منشورات جامعة الرياض، 1980.
انظر، محمد علي مغربي (ما هو أثر الأدب الحديث في هذه البلاد) المنهل، عدد مارس1939م. وصوت الحجاز، ع390، في 1939/7/19.
الجهيمان، مذكرات وذكريات) ص175، مصدر سابق.
انظر، محمد لقشعمي (يوسف الشيخ يعقوب، وجريدة الفجر) الجزيرة الثقافية، في 2011/10/6.
عبد الله الشباط،جريدة الرياض، في 27يناير 2012.
سعد2 البواردي،المجلة العربية، ع443أكتوبر 2913.
أحمد عبد الغني صباغ (تأميم الصحف، مذكرات أحمد عبد الغفور عطار، مسودة غير منشورة.
لمزيد من المعلومات، انظر،الدكتور، عبد الرحمن الشبيلي، صحيفة الجزيرة، عدد يوم السبت 26 ذو الحجة1420.
عبد الكريم الجهيمان (عدد 5،من صحيفة أخبار الظهران)
فتى الخليج (أطلقوها صرخة) اليمامة، ع127،في 1958/6/23.
انظر، اليمامة ع12،119.
البلاد، في 1954/8/5، 2509وصوت الحجاز230،234. أعدادها 81،85،87،84
انظر، مذكرات أحمد عبد الغفور عطار، مصدر سابق.
سلطان القحطاني (النقد الأدبي في المملكة) ص106، مصدر سابق.
جريدة حراء، ع27، في 5 مايو1967.