دَعَم الرأسمال التيارات المتطرفة كالفاشية والنازية وغيرها في أوروبا بعد الحرب الأولى، بعد أن فشلت النظم الرأسمالية التقليدية بالإطاحة بالحراك الجماهيري الأوروبي. فقد كان الهدف الأساس لنشوب الحرب العالمية الثانية هو القضاء على ذلك الحراك الذي أنتج الاتحاد السوفيتي السابق، ولكن الفاشية في إيطاليا والنازية في المانيا لم تكن لتدفع بالملايين البشرية والمالية بدون مقابل.
المقابل او الثمن للحرب هو إعادة توزيع الحصص في المستعمرات بحيث تكون حصّة الأسد للقوي، لذلك كان قتال هتلر في المستعمرات موجهاً ضد الدول الرأسمالية المتسيدة هناك وعلى رأسها بريطانيا. وكاد هتلر أن يستولي على أوروبا كلها ومكامن النفط في الدول النامية لولا الهزيمة الشنعاء التي تلقاها في (ستالين غراد) التي غيرت مجرى الحرب.
هناك سؤال يطرح نفسه بشدة، كيف ينشئ الرأسمال اداة لتدمير الاتحاد السوفيتي السابق والحراك الأوروبي اسمها (فاشية)، ثم يتحالف مع الاتحاد السوفيتي نفسه ضدّها؟
الجواب يستمد من مجريات الحرب نفسها، حيث ان تلك الأداة خرجت مباشرة عن سيطرة الرأسمال واخذتها النشوة المافيوية للهيمنة على العالم كله. فقد اجتاح هتلر معظم أوروبا قبل أن يبدأ هجومه على الاتحاد السوفيتي السابق. أما بعد (ستالين غراد) وتبدي الهزيمة، وقفت المافيا الرأسمالية عاجزة، فهي لا تستطيع دعم الفاشية مرة أخرى، وفي نفس الوقت لا تستطيع تدمير (قوة) الحليف السوفيتي التي خرجت من القمقم.
البديل الذي ابتدعه الرأسمال عوضاً عن الفاشية هو الحرب الباردة وبؤر التوتر، حيث كانت الحرب الباردة هي السبيل لاستنزاف التجربة السوفيتية، أما بؤر التوتر فهي ذات وجهين، الوجه الأول لقمع حركة التحرر الوطني في القارات الثلاث (آسيا- إفريقيا- أميركا اللاتينية)، والوجه الآخر لإجهاد السوفييت اقتصاديا وعسكرياً وتثبيت الهيمنة على العالم.
أما الوجه القبيح الثالث لبؤر التوتر هو الحرب الساخنة بالنيابة، ضد العملية الثورية العالمية، بحيث لا يمكن لبؤر التوتر تنفيذ الأهداف العسكرية دون قيود خفية تجعلها رهينة للقرار الرأسمالي ولا تسوّل لها نفسها للتفرد كما فعلت الفاشية. ولكن هل يستطيع الرأسمال إدخال الفيل في خرم إبرة؟.
- د. عادل العلي