-1-
أدركتُ الآن كم كان قاسيًا عليك أن يتشبث بك أحدهم حدّ أن يجعل منك جملة التوكيد لكل خطوات حياته المقبلة.
كنت تعرف كيف تداعب قلقي، وتطرد خوفي، وأنت ترتل على مسمعي - بكل حبّ - كل مواطن القوة التي تزعم بأنني أمتلكها، فأتفتح كزهرة، ويشرق صدري بنور إيمانك بي، وبكل ما أملك بالرغم من كلّ إخفاقاتي التي تعرفها أنت وحدك.
كنت كالطفلة التي كلّما سخر منها الصغار، ترتمي في حضن والدها؛ لتصنع من مناغاته لها يقينها الخاص: (بابا! صح أنا حلوة؟).
بعد كلّ هذه السنوات يهمني أن أخبرك:
لم أنجح في أن أكون بصبرك، وحلمك على واحدة تسوق دلالها؛ لتسرق الإطراء الذي تريده، من بين شفتي أهمّ رجل في حياتها.
مهمة صعبة كنت تقوم بها..
صعبة جدًا!
لم... ولا... ولن أطيق عليها صبرًا.
-2-
... وكعادتي
لا أبدأ قصص الرّحيل يا صديقتي، لكنّني أُمهِّد لها متى ما شعرتُ بأنَّ كرامتي هي بعض الثّمن.
لا تخشَ عليّ أبدًا؛ ففي مثل هذه النّهايات لا أتألم كثيرًا.
اليوم عبّدت الطريق لهم، بقي أنْ يُكملوا هم بقيّة القصة.
-3-
.. ما زلتُ يا صديقتي أُدوّن يومياتي؛ لأواجه الأمور بوضوح؛ لذا سأظل أُكبّر التّفاصيل التي ترين ألا قيمة لها؛ فقد تكون هي أحد الأسباب التي تسير بالأحداث إلى وجهات لا أحبّها.
كلّ أذى أصابني كان من أولئك الذين يختارون البقاء في الظل.
وأنا أضيف لقاموسي من بعد طعناتهم: كلّ شيء له قيمة؛(فمعظم النار من مستصغر الشرر).
-4-
شيّعت قلقي حتى دفنته..
لكنه صار ربوة صغيرة يذكرني بوجوده!
أظنه الكائن الوحيد الذي يستحق أن أقول له: تبًّا لك!
-5-
ما زلتُ عازفة عن كلّ شيء يا صديقتي، لكنني لا أكفّ عن مغازلة الأمل، وحجز المواعيد.
في داخلي امرأة تركض بكل ما أُوتيت من قوة؛ تصل حتى نهاية المطاف، ثم تعود إليّ مادة يدها؛ لتقنعني بأن أنهض معها؛ لكنني لا أفعل.
يعزّ عليّ أن تَبُوءَ محاولاتها معي بالفشل، لكنها لا تعلم كم أخشى من تلك الأحقاد الشّرسة.
أعلم أنّها لن تعذرني، لكنني حقًّا خائفة..
أحدهم يا صديقتي غرس يده بقوة في صدري, وانتزع بكل ما أوتي من قبح صمام الأمان، وقبل أن يغادر نثر بذور الخوف ورحل.
-6-
لن تجد نفسك في فضاءات ما عادت تستوعب هدوءك الصاخب.
أنت في حالة تحوّل، يضطرك إلى أن تتشرنق حول نفسك في كل مرة، تكتشف أن بينك وبين المحيطين بك فجوة تتسع هوتها بحجم الكون.
الصّمت في حالات التحوُّل أفضل من محاولة التبرير لشيء لم ينضج بعد.
- د. زكية بنت محمد العتيبي