ميسون أبو بكر
إن عدنا إلى التاريخ لوجدنا عشرات الرحالة والمستشرقين كتبوا عن الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - موحد البلاد ملك نجد والحجاز الذي أشغل العالم فوحَّد مملكة بحجم قارة ممتدة بين الصحاري والسواحل والوديان، وكل تلك الأصناف من البشر الذين تتنوع ثقافاتهم ومشاربهم بحسب البقعة الجغرافية التي يسكنونها والحضارات التي مرت بهم والبشر الذين اختلطوا بهم، فالمملكة مقصد الحجاج والمعتمرين والتجار منذ زمن بعيد ومهد حضارات متعددة، ونجد في كتب المهتمين بتاريخها من تحدث عنها ممن مروا بها أو عاشوا على أرضها كمن اتخذهم الملك الموحد مستشارين من جنسيات مختلفة.
كان يوسف ياسين السوري من كبار العاملين في خدمة الملك عبدالعزيز، قال عن الملك عبدالعزيز:
«نحن نعيش فكرياً وسياسياً بعبقرية عبدالعزيز، وإذا استشارنا في أمر فليس معناه أننا نرجح عليه عقلاً ورأياً، وعندما تفاجأ المملكة بقضية سياسية ويغمرنا ظلام حالك ونقع في الحيرة نجد المخرج والنور والطريق لدى الملك عبدالعزيز، فهو عبقري ملهم». وغيره كثر مثل ملحس الذي عمل في تحرير جريدة أم القرى وفي الديوان الملكي وأوكلت إليه مقابلة الدبلوماسيين والزوار الأجانب، والريحاني الذي وثقت صداقته بالملك عبدالعزيز الرسائل المتبادلة بينهما: بين ملك وأديب على خلاف ما كان متعارفاً أن الرسائل تكون بين الملوك والرؤساء والذي أطرب لقراءة ما كتبه عن الملك عبدالعزيز سلطان نجد - كما سماه في أكثر من موقع - وعن كرم هذا الملك ونباهته وتواضعه، وقد كتب الريحاني يصف تلك الصداقة: «الصداقة الحقيقية هي التي يشترك فيها العقل والقلب والضمير». والرسائل التي وثقت صداقتهما امتدت لعقدين من الزمان، أنصحك عزيزي القارئ أن تعود إليها وتقرأ عن مؤسس هذه البلاد من عيون أحبته وخلدت ذكراه عبر ما كتبه أصحابها عنه.
من عيون الريحاني التي احتوت بلادنا في الجميل من القول وذاكرة لا تهترئ إلى عيون فرنسية التقيتها في معرض الرياض الدولي للكتاب، وكان لي شرف استضافتها عبر برنامج عين ثالثة الذي تحدثت به تلك السيدات القادمات من عاصمة النور والفكر «باريس» عن المملكة بما يثلج الصدر ويوضح للآخرين ومن آخرين المملكة بعيون من زارها وأحبها وأخلص لها المشاعر.
السيدة الفرنسية التي حلت ضيفة على معرض الكتاب في الرياض وقدمت تستكمل ما بدأته من كتابها عن المملكة وأهلها ومناطقها وتراثها، وعما لمسته من خلال إقامتها لسنوات وعملها كأستاذة في جامعة الملك سعود - كلية البنات في عليشة الدكتورة كريستينا يوسف، كانت المرأة الصادقة لما لمسته من المجتمع السعودي الذي لمست بدوري شوقها إليه وإلى زيارة أصدقائها القدامى وإلى كل كلمة قالتها بلهفة وصدق.
السيدة الفرنسية من أصول جزائرية أسماء بوزيان والتي نشرت مقالها صحيفة عكاظ بعنوان: «عندما تلبس الثقافة خوذة الجندي ويكتب قلم الروائي للجندي»، التي وصف مقالها تلك الصلة بين الحرب في أعتى صورها وجنودنا مرابطون في الحد الجنوبي وأجنحة تعج بملايين العناوين الأدبية والفكرية في المعرض وبوفود تنعم بالسلام وتجوب أجنحة المعرض بحثاً عن ضالتها.
بين تلك الضوضاء التي يحاول البعض أن يثيرها ضد مملكتنا بهتاناً وزوراً وحسداً وبين هؤلاء القادمين بشوق والعائدين إلى ديارهم مكتنزين بالمحبة وكل ما كانوا شاهداً عليه. هذه هي المملكة بحقول الطيبين من أهلها الكرام وبساتين من العطر والورد وذاكرة تقرع في أذهان من مروا بها وسكنوها.
سأذكر هنا إشارة أمير الرياض فيصل بن بندر في اجتماعه بمسؤولي المناطق التي زارها ووصيته لهم بالوافدين خيراً وبالأطباء والمعلمين الذين هم شركاء في التنمية لهذه البلاد.
الوطن مساحة من الأرض إن تعمقت صلة الإنسان به تحول إلى أم تمنحه الأمومة والانتماء.. هو السكن الذي أشار إليه الله في كتابه بالراحة والطمأنينة، والمملكة وطن مقدس لكل عربي مسلم ولكل إنسان صادق بادله الحب بالحب والوفاء بالوفاء.