أ.د.عثمان بن صالح العامر
مررنا في المملكة العربية السعودية بطفرات اقتصادية ثلاث، وكنا- وما زلنا منذ عهد المؤسس وحتى اليوم، وسنظل بإذن الله في وطن الخير والعطاء- بنعمة ورغد عيش، البعض منا استفاد من هذه الطفرات أو من واحدة منها على الأقل استفادة حقيقية، والآخر خرج منها صفر اليدين لا له ولا عليه، والأسوأ هو الثالث الذي تعلق بذمته ديون تراكمت على كاهله ككرة الثلج المتدحرجة من أعلى، حتى صار عاجزاً عن حملها الثقيل وليس له حيلة في التخلص منها، وكانت النتيجة في النهاية «السجن».
نعم.. لقد تهاونت شريحة عريضة من أبناء المجتمع وبناته بالدَّين، وتساهل البعض منا في الكفالة، وتوسعنا جميعاً- وما زلنا- في الاستهلاك (فكلما اشتهينا اشترينا)، لم نفرّق بين الضروري والتكميلي والحاجي، لا نعرف مقدار دخلنا الشهري، ولا كم نصرف منه ولا كيف ومتى وعلى ماذا ننفق الأموال، حاكينا بعضنا البعض دون تعقل ورويّة، صار السفر للخارج من أجل السياحة ضرورة في قاموس الكل، توسعنا في المأكل والمشرب والملبس والسّكنى، بالغنا في حفلات الزواج والمناسبات الاجتماعية، دخلنا مشاريع تجارية دون دراسة لجدواها الاقتصادية وبلا استشارة واستخارة، عشنا اليوم ولم نفكر بما سيكون في الغد... فعلنا وفعلنا... فكانت النتيجة أن تجمعت على عدد منا الديون، وأرهقه الدائنون، حتى وصل الأمر إلى إيقاف خدماتهم وانتهى بهم الحال أن أُدخلوا السّجن، ولك أن تقرأ ما سيترتب على هذا الأمر من نتائج ستنعكس سلباً على شخص هذا السجين وأسرته من خلفه وتلاميذه إن كان معلماً، وأصدقائه وجيرانه و...، الأمر الذي حرّك لدى ثلة من محبي الخير للغير التفكير الجاد للبحث عن الكيفية المُثلى لتفريج كربة من استطاعوا من هؤلاء المساجين، فكانت البادرة الإنسانية الجميلة «حملة سداد الديون عن المساجين جرّاء تعلق ذممهم بحق مالي حالّ» التي انطلقت من أرض القصيم على يد عدد من مشاهير السناب ليباركها ويشجع على دعمها والإسهام في إنجاحها أمير القصيم- وفقه الله- ويتفاعل معها ويتسابق على إعلان تبرّعهم في قافلة داعميها رجال المال والأعمال وأهل الخير والبذل والعطاء هناك، فتؤتي ثمارها يناعة في ليلة واحدة وما زالت.
وفي غضون أقل من أسبوع تنتقل هذه السُّنَّة الحسنة التي لمطلقها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، إلى حائل، فيسند صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن أمر القيام بها إلى جمعية تراحم «اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم»، باعتبارها المظلة الرسمية لمثل هذا النوع من الأعمال، ويشجع- رعاه الله- في إثنينيته هذا الأسبوع على دعمها والمسابقة في هذا النوع من الأعمال الخيّرة التي تنم عن تكاتف المجتمع وإنسانيته، مشيداً بإنسان حائل في الوقوف مع المحتاج وذي العوز، مشيراً إلى أهمية السوشيل ميديا في مثل هذا النوع من الأعمال النوعية التي تحتاج تفاعل الجميع وسرعة الاستجابة للنداء الخيّر المبارك الذي أطلقه صناع المعروف، مؤكداً وجوب الدقة والعدل في التعامل مع الحالات التي سيتوجه لها الدعم، وحاثاً الجميع على أهمية التعاون والتكاتف والعمل صفاً واحداً مع «تراحم» من أجل إخراج من نستطيع إخراجهم من هؤلاء المساجين جراء تعلق ذممهم بديون مالية قد تكون قليلة، ولم تأتِ نتيجة تلاعب واحتيال، وإنما لعجز منه عن السداد. فلنتراحم طمعاً بما عند الله، ولنسعَ في التفريج عن إخواننا المكروبين رغبة في أن يفرّج عنا الله كربة من كرب يوم القيامة، ولنتراحم فيما بيننا «فالراحمون يرحمهم الله». دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.