رقية سليمان الهويريني
يفسر جوستاف لوبون مؤلف كتاب «سيكولوجية الجماهير» اختلاف العقل الفردي عن العقل الجمعي في التفكير، فالأول قد يصل إلى قرارات منطقية، ولكنه إذا انجرف مع العقل الجمعي يتصرف بصورة سلبية. ويشمل العقل الجمعي مختلف الفئات العقلية على مسائل يكون للغالبية عامة رأيها الغريزي تبعاً لتوجهات الجماعة ومصالحها وأيديولوجيتها وليس منطقيتها، ولا سلطان للعقل على الغريزة الجمعية، وللأسف أن الكفاءات العقلية للبشر وفرديتهم الذاتية تنمحي وتذوب في الروح الجماعية، وهكذا يذوب المختلف في المؤتلف وتسيطر الصفات اللا واعية.
وعند سيادة السلوك الجمعي يصبح المرء محكوماً بأفكار جمعية جاهزة يستمدها من المجموعة؛ فيتجه التأييد لها مهما كانت سلبية أفكارها ورداءة سلوكها وفساد معتقدها ووحشية تصرفاتها!
والحق أن المواطن أصبح يتوجس خيفة عند بداية كل تظاهرة ثقافية أو اجتماعية بسبب حالة الجدل العقيم التي تترافق معها بين فئة سلمية تنشد التعايش وفئة أخرى تضادها بالأفكار والقناعات!
وفي كل عام يفاجأ المجتمع بالتداعيات المصاحبة لبعض الفعاليات، ويتوسمون قبلها خيراً ولكنها تخذلهم وتفت عضد آمالهم وطموحاتهم السلمية التي ترتكز على السلم والتعايش! ففي مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة يثار جدل حول حضورها فمنهم من يحرّمها أو يحظرها على النساء دون الرجال برغم أن المتعة حق مكتسب للجميع طالما لا تتجاوز حريتها الآخرين!
وحالياً تقام أمسيات غنائية لبعض الفنانين الذين افتقدتهم الساحة على مدى أكثر من ثلاثين عاماً، وكيلا يحدث ما لا تحمد عقباه فإن الاحتياطات الأمنية تكون على أشدها لدرجة الإلزام بإبراز الهوية الوطنية كشرط للدخول، ويمنع دخول النساء رضوخاً أو مسايرة للعقل وفي شهر مارس من كل عام يدشن معرض الرياض الدولي للكتاب؛ فتبدأ الظنون تدور حوله! حتى أن البعض يفرض على نفسه قيداً ذاتياً، ويقرر عدم الحضور كيلا يشاهد طياش سهام التوجيهات السلبية. وبرغم أن أغلبها سلميٌّ لا يتعدى التوجيه؛ إلا أنها هذا العام كانت عنيفة وتجاوزت الجمهور حيث اقتحم شابٌ المعرضَ وبدأ بقذف الميكرفون الخاص بفرقة الوفد الماليزي (الضيف) وصار يطلق عبارات تحريم الموسيقى!
وتصرفه لا يعدو عن نتيجة العقل الجمعي الذي صفق لفعله وشجعه، برغم أنه بعيد عن المنطق والحكمة! ولا لوم عليه فهو خريج مجتمع تمت أدلجته أكثر من ربع قرن!