الجزيرة - أحمد المغلوث:
أنت وأنا ومليارات من البشر يزاولون أعمالهم جلوساً إلا من تضطرهم أعمالهم العمل وقوفا، ولكن سرعان ما يعودون لمواصلة اعمالهم جلوسا.. وهذا يعني ان نصف اعمارنا نقضيها ونحن جلوس.
في العمل أو حتى في بيوتنا نزاول حياتنا العادية، وقبل عقود شعرت بألم في ظهري، بدأ خفيفا وبدأ يزداد سوءا حيث انني بالكاد أستطيع مقاومة الألم الحاد. وكنت خلالها قد راجعت الطبيب المختص وكتب لي دواء. والحق أنه كان فعالاً وبدأ الألم يخف.. ورغم انه نصحني بالابتعاد عن الجلوس لساعات طويلة، لكن كان من الصعب تنفيذ وصاياه ونصائحه لارتباطي بعملي الصحفي، والذي كان يتطلب مني الجلوس للكتابة احياناً لساعات.! كذلك هوايتي التي احبها «الرسم» حيث تتطلب مني وقتا متواصلا حتى لا تجف الالوان وافقد بعدها ميزة دمجها ومزجها. رغم انني كنت احفظ لوحة (الالوان) البالته مغطاة داخل كيس، ومع هذا انسى نفسي وأستمر في العمل.. وفي صباح يوم من الايام جلست كعادتي مبكرا، وإذا بي لا أشعر برجلي، بل ولا حتى الجزء الاسفل من جسدي.. ولم يكن أيامها لدي هاتف بجوار سريري، وزوجتي قد ذهبت مبكرا حيث تعمل مديرة مدرسة، أسقط في يدي، وبدأت ازحف بعدما تحاملت على نفسي ودخلت إلى شقة مكتبي ومرسمي الملاصقة لشقة نومي، واتصلت بزميل عزيز يعمل معي في العلاقات العامة بصحة الاحساء، وطلبت منه ان يسارع بالحضور لمنزلي ويصحبني لطوارئ المستشفى.! ونزلت زحفا إلى الدور الارضي حتى لا أكلف على زميلي حملي من الدور الاول.. المهم وصل الزميل وحملني إلى المستشفى، وحال وصولي اجريت لي الاسعافات الاولية والإجراءات المتعبة في مثل هذه الحالات حتى وصل استشاري العظام والأعصاب،
والذي اجرى لي فحوصاً عديدة وشاهد الصور المقطعية وهو يهز رأسه ويردد: أنت محظوظ أنك سارعت بالحضور الآن، استعد بعد ساعة سوف اجري لك العملية في ظهرك؛ فحالتك لا تحتمل التأخير أو التأجيل. كان يقول ذلك وهو يعرض علي صور عمودي الفقري (المسكين) الذي اجهدته بسوء جلوسي والاستمرار في العمل المتواصل لساعات.! العمود الفقري هذا الجزء الهام في اجسامنا والذي يعاني من عدم اهتمامنا به ولا نقوم بالجلوس الصحيح او نستخدم كراسي او مقاعد غير مريحة ولا مناسبة للجلوس. إنه يتكون من عدة فقرات بعضها فوق بعض بواسطة غضاريف واربط، وهو ينقسم إلى اجزاء هامة هي العنق ويتكون من سبع فقرات والجزء الظهري من اثنتي عشرة فقرة والقطني ويتكون من خمس فقرات والعجزة من خمس فقرات تلتصق بعضها ببعض وتكون عظمة واحدة، وأخيرا الجزء العصعصي ويتكون من ثلاث صغيرات، وكل جزء من هذه الاجزاء يتميز بتقوس طبيعي يناسبه، فالجزء العنقي مثلا ذو قوس محدب إلى الخلف والقطني يقوس إلى الامام والظهري بقوس محدب إلى الخلف والقطني يتقوس إلى الامام والعجزي إلى الخلف، وفي الحالة الصحية الطبيعية تكون العضلات في حالة توتر فتبقى دائماً هذه الاقواس وتظل موجودة سواء في حالة الجلوس او في حالة الوقوف، وبين كل فقرة واخرى فان هناك مفاصل وغضاريف تسمح بحركة كل فقرة فوق الاخرى، ولكن تحد من هذه الحركة اربطة وتسيطر عليها عضلات حول كل جزء من اجزاء العمود الفقري، وينمو العمود من جزء خاص في اعلى جسم كل فقرة وفي اسفلها ويسمى « كردوس» وتتوقف صلابته على سلامة العضلات المسيطرة عليه كما تتوقف ايضا على الاربطة ونوع كل فقرة والغضاريف بين الفقرات المختلفة، فاذا كان الجلوس في وضع خاطىء وهذا ما يحدث للكثير منا فإنه يؤثر بلاشك على سلامة هذه الغضاريف كما حدث معي شخصيا. كما اشرت سابقا في البداية.!
وهكذا نجد ان الجلوس الخاطىء او الغلط بصورة عامة وراء ما يعاني الملايين من الناس، وكم سمعنا البعض من حولنا وربما نحن ايضا رددنا يوما. آه يا ظهري..!
ويفضل عندما يشعر الانسان بألم ما في ظهره ان يسارع بمراجعة الطبيب المختص حتى يعالجه قبل فوات الاوان وقبل أن تحتاج الحالة إلى تدخل جراحي.