د. جاسر الحربش
طفح الكيل بي من مصطلح قولون عصبي وأوجد عندي رهاباً من الذهاب إلى العيادة لكثرة ما أسمع هذا التشخيص من المراجعين. المراجع الثمانيني أمامي يستهل شكواه هكذا، اسمع يا ولدي (علما ً أن فارق العمر بضع سنوات فقط)، أنت معي؟، أنا معي القالون ذبحني، هذا اللحم والدسم ما عاد أقواه، ينتفخ علي القولون ويعورني ما يخليني أرقد.
العم الثمانيني ينسى أن قولونه أيضا ً عمره ثمانون سنة. السيدة بوزن تسعين كيلوجرام وطول متر ونصف تطبل بيدها اليمنى على أيسر بطنها قائلة شف لي دبره دكتور، ذبحي ذا القولون، لا عاد أتحمل قهوة ولا زنجبيل، والحوار هذي يخلف الله علي.
ست الحسن والكمال تتجاهل أن بطنها فيه زحمة وضيق وغازات لأنها تعدت الحدود القصوى لقدراتها الهضمية. المراجع الشاب صاحب الشفتين الزرقاوين من الإسراف في التدخين يتذمر من القهوة الأمريكية السوداء والبهارات والبروستد لأن هذه أهم منغصات قولونه، أما التدخين والسهر والطفش فلا يتعرض لها. سبحان الله، يقول الشاب عندما أكون في دبي أو مانيلا ما عاد أحس بشي.
أسأل كل مراجع عن قولونه طيب والنرفزة والزعل؟. الجواب الله يفطنك للشهادة يا دكتور أما هذي فنار الله الموقدة.
القولون كمفردة طبية كلمة لاتينية استعملت في الطب الحديث للتعبير عن الأمعاء الغليظة.
من قال لك يا عم أن عندك القولون؟. قاله له دكتور مثلك. طيب ليش ما عالجك ما دام شخص العلة؟. يا دكتور ما عنده سالفة لا هو ولا غيره، ما غير ياخذون فلوسنا ويعطوننا مسكنات. الجواب نفسه من السيدة البدينة والشاب الفوضوي.
لا توجد شكوى صحية يتداخل فيها التكسب المادي الطبي بالشعوذة والخرافات الشعبية المقنعة بمظاهر التقوى، بالفوضى الغذائية مثل شكوى القولون العصبي.
القولون العصبي (هذا إذا كان التشخيص صحيحاً) مشكلة، شكوى، اضطراب، انتقام، لكنه ليس مرضاً عضوياً نوعياً له تغيرات مرضية في الجهاز الهضمي.
أكثر من نصف المراجعين لعيادات الأطباء يشتكون القولون العصبي، والكثير منهم تكرم عليه بائع الأعشاب والمياه والزيوت المقروء عليها بتشخيص يدمج القولون العصبي مع العضوي، زيادة من المشعوذ في التحوط فيما لا سمح الله ظهر عند الزبون أمراض حقيقية في العيادة أو المستشفى.
ليست كل شكوى من القولون بالضرورة تكون في القولون. قد يكون لدى الشاكي مشاكل في أعضاء جسدية أخرى، وهذه هي المهمة الأصعب للطبيب، أي مهمة الفرز لما هو قولون وغير قولون.
أما فيما يخص القولون العصبي تحديدا ً فهو نوعان، القولون العصبي من التوابل والقهوة والفوضى الغذائية، وقولون المشاكل الاجتماعية والوساوس. النوع الأول يعالج بتحسين الثقافة الغذائية والنوع الثاني بإعادة البرمجة النفسية والاجتماعية وحل المشاكل قدر الإمكان.