د. محمد عبدالله الخازم
نسجت في تجاربي الإدارية الصغيرة خططا وأمنيات، كنت أتمنى وأحلم من خلالها بإحداث نموذج أو فلسفة جديدة في ما أوكل إلي، لكنني لم أستطع تحقيق كل ما كنت أسعى إليه، لدرجة أنني أفكر جاداً بتأليف كتاب يحكي الافتراضات التي تمنيتها، وكمية التعقيدات أو العثرات التي قابلتها في طريقي ولم تسمح بالتحليق كما أريد. من هنا أدرك حجم الصعوبات عندما تحاول التغيير على مستوى أكثر تعقيداً وأقدر عمل المسؤول حيث المنصب في بيئتنا، ليس عصا سحرية تملك تغيير الواقع بين يوم وليلة.
الوزارات الخدمية - التعليم والصحة مثالاً- عانت من التغيير المتكرر على مستوى قياداتها العليا. أحد الأسباب خلف ذلك هو تعقيداتها البيروقراطية وطبيعة عملها المتداخلة والمتشعبة والضغوطات المجتمعية والإدارية كونها تخدم الناس بشكل يومي ويعمل بها نصف أو أكثر موظفي الحكومة ويرتبط عملها بقطاعات وأنظمة خارجها. أصبح أسهل الحلول هي المطالبة بعزل الوزير كلما اختلفنا معه، وكأن مجرد تغيير المسؤول هو الحل الوحيد للتطوير...
قد يستغرب هذا الطرح مني- ككاتب وناقد - لديه ملاحظاته المتنوعة. طرح الرأي حقي، الذي يرتقي للواجب أحياناً، وأحسب المسؤول الواعي يقدره ولو كان مختلفاً أو مخالفاً لرؤيته أو تصوراته، لكن المؤكد أنني أطالب بمنح المسؤول الفرصة الكافية وعدم تشتيت ذهنه بقضايا وجزئيات صغيرة. لا يعني عدم اتفاق الوزير مع رأي أطرحه أنه أصبح عدواً يجب إسقاطه وعدم منحه الفرصة الكافية. لدينا وزراء أكفاء في العديد من القطاعات يحتاجون الوقت والمساحة والدعم لطرح رؤاهم وتنفيذ مشاريعهم التطويرية.
أخشى أن نحد من عزم الوزير والجهات العليا مواصلة طريق الإصلاح المنشود، طالما كان تحت ضغط المناشدة بعزله في كل خطوة يخطوها. لا أريد أن يستهلك ويحترق وزير التعليم بقضايا المعلمين ووزير الصحة بقضايا الكادر الطبي وإدارة المراكز الصحية، ليس لعدم أهمية تلك القضايا، ولكنها لأنها قضايا تنفيذية مستمرة لا تنتهي، بكل أسف. يهمنا العمل على المشاريع الإستراتيجية الكبرى لا استنزاف الجهود في الجزئيات الصغيرة.
لست أقلل من أهمية المعلمين أو الممارسين الصحيين، وغيرهم في كل قطاع وتخصص، لكن أقترح على الوزراء، في مختلف الوزارات، تسمية مسؤولين للقوى العاملة وترك المهمة لهم في التعامل مع مواضيعها إدارياً وإعلامياً ، ليمنحوا القضايا الأخرى بوزاراتهم مزيداً من الاهتمام. وبالذات (أكرر) كون قضايا القوى العاملة المالية والإدارية، تعتبر إجرائية ومتعلقة بجهات مختلفة، ولن يستطيع أي وزير حلها بمفرده. نريد التعرف على رؤية الوزراء واستراتيجياتهم الشاملة لا أن يغرقونا أو نغرقهم، بقصد أو دون قصد، في مناقشة جزئيات تشغلنا وتشغلهم!
التعليم والصحة - أركز عليهما كونهما محور اهتمامي- تحتاج حلولاً وخطوات إصلاح كبرى لا يمكن بلورتها وإنجازها خلال أشهر أو حتى أعواماً قليلة، وما يتخذ من خطوة نراها صغيرة اليوم قد يكون لها أثر بعد سنوات، شريطة أن نمنحها الصبر ونرعاها حتى النضوج. ليس جيداً العودة لنقطة الصفر مع كل تغيير قيادي، لذا نطالب منح المسؤول الثقة والدعم لفترة كافية لبلورة وإعلان وتطبيق مشاريعه التطويرية.