د. عبدالواحد الحميد
إذا كان الإعلام التقليدي، و"صناعة الصحافة" بالذات، والصحافة الورقية تحديدًا، يتغير، وربما يُحتَضر، فإن البديل ليس غامضًا فحسب، وإنما يبدو مرعبًا أحيانًا!
نعم، استطاع الإعلام الجديد أن يزلزل الحصار الذي تفرضه الرقابة الرسمية على الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وهذا بكل تأكيد جيد وإيجابي، لكن الثمن الذي يدفعه المتلقِّي مقابل مساحات الحرية التي حصل عليها باهظ جدًّا.
أنهار متدفقة من المعلومات والأخبار والتقارير والصور تغرق المتلقِّي في كل ثانية من الليل والنهار، وهي خليط تتداخل فيه المضامين الصادقة والكاذبة، لكن المتلقِّي لا يملك الوقت ولا القدرة على فرزها؛ كي يعرف ما هو صادق وما هو كاذب.
قبل قليل تلقيتُ على موقع "واتساب"، ضمن مجموعة من الأعضاء، تسجيلاً منسوبًا إلى أحد الوزراء، وهو غير صحيح؛ فأنا أعرف صوت الوزير، وأعرف صوت الشخص الحقيقي الذي في التسجيل، وهما مختلفان.
المشكلة أن المعلومات التي جاءت في التسجيل والمنسوبة كذبًا إلى الوزير مرعبة، وبعض الناس صدقوا أن الوزير المشار إليه في الرسالة هو صاحب الصوت؛ بدليل أن الرسالة كانت قد راجت من قبل في العديد من مجموعات "الواتساب". وهذه المعلومات "تشوش" فكر المتلقِّي، وقد تدفعه إلى اتخاذ قرارات مهمة، كبيع أصول عقارية، أو ممتلكات ثمينة، أو غير ذلك على هذه الخلفية الكاذبة.
الإعلام التقليدي - بالطبع - ليس معصومًا عن الترويج لمعلومات كاذبة، لكن الإعلام الجديد، بما أتاحه من إمكانيات للنشر بتكاليف زهيدة، أو بلا تكاليف، وفي غياب تام لأي نوع من الرقابة، وسَّع المجال لترويج المعلومات غير الدقيقة أو حتى الكاذبة، بل أتاح أيضًا للمنظمات الإرهابية وللعصابات الإجرامية الوصول إلى شرائح واسعة من المتلقين الذين قد تنطلي عليهم أساليب تلك المنظمات والعصابات.
وقد قدرت دراسة، تم إجراؤها في جامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، عدد المغردين الآليين (الوهميين/ غير البشريين) عبر موقع تويتر بما يصل إلى ثمانية وأربعين مليون مغرد، يروجون للمنظمات الإرهابية والإجرامية!
لا شك أن الحقل الإعلامي الذي يصطخب بهذه التغيرات السريعة المتلاحقة قد شهد في السابق ثورات تقنية، خلطت الأوراق، لكن ما يحدث الآن هو شيء غير مسبوق، وقد احتار المنظِّرون الإعلاميون في توصيف تحولات المشهد الإعلامي ومآلاته.
ماذا يمكن للحكومات وللمجتمعات أن تفعل لمواجهة هذا الطوفان الكاسح من الرسائل الإعلامية التي تروج للإرهاب وللإشاعات والأكاذيب والقيم غير الأخلاقية!؟
المأمول هو أن العبقرية البشرية التي أنتجت كل تلك التحولات والقفزات سوف تكون قادرة في المستقبل على ابتكار حلول ناجعة لاحتواء السلبيات التي أفرزها الإعلام الجديد، وتعظيم إيجابياته.