عروبة المنيف
أشدت في مقال سابق بتجربة مركز الملك سلمان الاجتماعي كمركز اجتماعي ترفيهي رياضي وثقافي متميز، وما زلت أطالب بتعميم تلك التجربة على مستوى الأحياء في المملكة؛ لما لتلك المراكز من دور عظيم في دعم وترسيخ أسس التواصل الاجتماعي وارتباط ذلك بمفهوم الجيرة والترابط والتجانس الاجتماعي.
إن جميع الخطط والبرامج سواء كانت على المستوى الحكومي أو الخاص تهدف إلى تكثيف الاستثمار في رأس المال الاجتماعي لدوره الكبير في الرفع من مستوى الإنتاجية، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة، حيث ينطلق الاستثمار في رأس المال البشري من الاهتمام بنواة المجتمع وهي الأسرة، بالحي الذي تقطنه، وبالأماكن التي ترتادها بشكل يومي.
إن أي حي في جميع مدن المملكة لا يكاد يخلو من المسجد، بالإضافة إلى الجوامع التي تنتشر في أحياء عديدة وبمعدلات إشغال قليلة، حيث يرتادها الغالبية في أيَّام الجمع فقط.
التساؤل هنا، لماذا لا يتم التعاون بين البلديات، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية بهدف الاستفادة من المساحات غير المستغلة بشكل كفء في المساجد والجوامع، أو توفير الأراضي الملحقة بالمساجد أو الجوامع من الأوقاف بهدف بناء وتجهيز مراكز للأحياء عليها، تلك المراكز هدفها اجتماعي، ثقافي ترفيهي، رياضي، بحيث تحوى على صالات رياضية يزاول فيها أبناء الحي هواياتهم الرياضية، وقاعات للمكتبات تتوافر فيها كتب متنوعة ولجميع الأعمار، وقاعات لعرض الأفلام الوثائقية وأخرى للمحاضرات بهدف تنظيم برامج توعوية يستفيد منها جميع أفراد الأسرة في الحي لدعم المهارات، كأن تنظم دروسا في الفترة الصباحية على سبيل المثال للمرأة، مثل دروس الطبخ وتربية الأطفال، ودروس لتعليم مهارات التعامل مع الآخرين بهدف تعديل السلوكيات وتنمية القيم الإيجابية في المجتمع.
إن إقامة تلك الأنشطة والبرامج وانعقاد المناسبات الاجتماعية التي يلتقي بها أبناء الحي مع بعضهم البعض في مراكز الأحياء المرتبطة والملحقة بالمساجد أو الجوامع ستعمل على تقوية النسيج الاجتماعي وستجعل ارتباط جميع ساكني الحي في المسجد أو الجامع أقوى من ذي قبل، خصوصاً لدى الفئة العمرية الشابة، حيث ستساهم تلك المراكز المرتبطة بالمسجد والجامع في تلبية احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى الاحتياجات الروحية ما يجعلهم أكثر ارتباطاً بأماكن العبادة وأكثر ارتياداً لها.
لتحقيق الهدف يجب أن يَتمَّ تجهيز آليات عمل مشتركة للتنسيق بين الوزارات المعنية والبلديات، بحيث تقدم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف المكان وتتولى البلديات بالتنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في إقامتها وفي تأسيس فرق التنمية الاجتماعية بالأحياء التي من المفترض أن يكون أعضاؤها من أعيان الحي والمتطوعين لتلبية الاحتياجات الاجتماعية للحي، ويتم التمويل للبناء وللصيانة من منظمات المجتمع غير الربحية ومن القادرين من أهالي الحي ومن الأوقاف.
لا تنقصنا السيولة، فأموال الوقف وميزانيات البلديات والتبرعات وبدعم وهمة الأهالي نستطيع أن نحقق انتشاراً لتلك المراكز الاجتماعية المرتبطة بأماكن العبادة في الأحياء، ونضرب عصفورين بحجر، الدين والدنيا.