فوزية الجار الله
أخيراً وجدته، واستكان بين يدي، ليس لأني بحثت عنه طويلاً، لكن لأنني كنت في انتظاره وتلهفت كثيراً لمصافحته كلما قرأت كلمات حوله هنا أو هناك، وربما لهفتي هنا تأتي مشابهة لما لدى الكثيرين من فضول لمعرفة ما وراء الأستار والحجب خاصة حين يتعلق الأمر بكتاب.. ذلكم هو كتاب رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان، وهو في الحقيقة كتيب صغير لم أقرأ إطلاقاً فيما قرأت أن أحداً دعاه كتيباً ربما لمكانة وشهرة كاتبة كبيرة متميزة مثل غادة السمان ولأنها بلغت مرحلة من التفوق حتى يخشى الكثيرون أن يقولوا بأنها أصدرت كتيباً، لكن ذلك لا يضيرها فقد أصدرت العديد من الكتب والقصص والروايات خلال حياتها الأدبية الزاخرة بالإنتاج والإبداع الأدبي.. وكذلك أنسي الحاج صاحب الرسائل كان متميزاً متوهجاً في حياته، قال عنه «عبده وازن» في مقالة له نشرت في صحيفة الحياة بتاريخ 18 شباط، 2014 (غاب أنسي الحاج عن سبعة وسبعين عاماً ودواوين وقصائد و»خواتم» و»كلمات كلمات كلمات» وأحلام هي أحلام الكائن الذي حدق إلى السماء بنظرة حارقة بينما قدماه على الأرض. وبدا غيابه إحدى قصائده الأليمة التي كتبها بحبر الاحتضار المضني والأرق والمواجهة الميتافيزيقية السافرة. هذا الشاعر الذي استهل تجربته صارخاً في ديوانه الأول «لن» صرخته المدوية: «نحن في زمن السرطان، هنا وفي الداخل» كان قدره أن يحل به السرطان وينتصر على جسده فقط، بعد ما قضى عمره يواجه شبحه في ساحة الشعر والكتابة وفي معترك الحب والحلم..)
رغم معارضة الكثيرين لغادة السمان حين أصدرت منذ سنوات رسائل غسان كنفاني لها إلا أنها أصدرت مجموعة رسائل أخرى لأديب آخر هو الشاعر أُنسي الحاج..
وكعادتها بدت غادة مضيئة، متألقة خارجة عن قانون التدجين وسطوة المعتاد وهي تسجل إهداءها في مقدمة الكتاب (أهدي هذه الرسائل إلى الذين يعتقدون مثلي أن للشاعر ألف ملهمة وملهمة وحبيبة واحدة اسمها الأبجدية.. والحب الذي لا يخونه الشاعر طوال العمر، اسمه الشعر) وتقول تحت عنوان «لحظة نوستالجيا وحنين» (لم أكتب لأنسي الحاج أي رسالة، فقد كنا نلتقي كل يوم تقريباً في مقهى «الهورس شو» أو.. حتى تقول لم أكتب لأنسي، لكنني عجزت عن تمزيق هذه الرسائل الرائعة أدبياً.. وأياً كان الثمن).
أصابتني الحيرة أمام رسائل أنسي فهي في معظمها مقطوعات أدبية رائعة، أقتطع منها هذه السطور: (كلكم ضدي: قراء وأدباء. أجانب وأقارب وغرباء، أصدقاء ونساء، لا أحد معي، أكثر امرأة أحببتها كانت أكثر امرأة خسرتها. هذه في معادلتي. حسابي ناجح في الفشل. عقلي راجح في الجنون والخراب والموت. لكن لا أعرف في العالم أعظم من شجاعتي).